السبت، 26 يناير 2013

فتحي العيوني





عزيزي القارئ.. لا شك أنك شاهدت يوماً في أحد البرامج التلفزيونية الطلعة البهية والوجوه الصبوح لمحامي فذّ سخّر نفسه لخدمة أنبل القضايا الوطنية، أو ربما قد استمعت إلى صوت عذب وشجي من إحدى الاذاعات لينير ذهنك عن قضية شائكة ما كنت تعي أهميتها لو لا شطارة ذلك المحامي الذي وهب كل طاقته من أجل حماية مصير البلاد.
إنه نصير المهمشين، ومساند المظلومين الذي زهد في الدنيا وما فيها من أجل رفع علم المحاماة عالياً وجعلها في خدمة كل الضحايا المغلوب على أمرهم. إنه المحامي الشريف فتحي العيوني الذي لم تغريه مفاتن الحياة، وجعل من مكتبه ملجأً لكل المغبونين.
فتحي العيوني الذي لم يسبق أن والى نظاماً أو هادن سيداً، لم يكن طيلة مسيرة المهنية مدافعاً عن السلطة المستبدة للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. فلم يكن ميالاً للحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، ولم يكن يتآمر على الهياكل الشرعية لعمادة المحامين. وهو المحامي الذي رفض باستماتة ان يحيك المؤامرات مع خلية التجمع بالمحاماة من أجل اسقاط قائمة المرشحين المستقلين لهيئة العمادة. وهو بالتالي، لم ينشر النميمة والغيبة بين المحامين حتى لا ينتخبوا المحامين المستقلين.
وتاريخ فتحي العيوني ناصع دون مواربة. فلم يسرق أموال حريف قصده للترافع عنه في محكمة ما، بل كان يقوم بذلك مجاناً في غالب الأحيان. وترفض جميع الشركات والمؤسسات الخاصة نيابته عنها لأنه ينحاز دائماً إلى صف المتضررين من تلك الشركات ما يكبدهم خسائر مضاعفة.
وهو أيضاً، ذلك المحامي الذي يرفض قطعياً أن تكون لديه أية علاقة شخصية مع قضاة المحاكم أو وكلاء الجمهورية أو قضاة التحقيق درءاً للشبهات التي قد تصيب القضايا التي يُدافع عنها، وبالمجان بطبيعة الحال.
المحامي فتحي العيوني لم يتزلّف أبداً إلى أصحاب القرار الحكومي في ظل النظام السابق. وفسحت له القنوات التلفزيونية والاذاعات أبوابها على مصرعيها على أساس كفائته العالية التي لا يُضاهيه فيه أي محامي تونسي آخر. وخسئ كل من يعتقد أن العيوني كان يمدح النظام السابق ورئيسه، ويُقطع لسان كل من يقول أن العيوني قال كلمة اطراء في حق بن علي أو كتب كلمة شكر لصالح المقربين منه.
وحدثت الثورة، فإياك أن تظن فتحي العيوني غيّر ولاءاته ومبادئه. فذلك ليس من سيم أخلاق المحامي الذي سخّر حياته بهدف حماية أخلاق المجتمع السمحة. فهو ليس ذلك المحامي الذي طعن في اختيار شوقي الطبيب لرئاسة عمادة المحامين من أجل الصعود عوضه لتدجين ذلك القطاع لفائدة حركة النهضة. فذلك ليس من شيمه، ولم يبغي أبداً من وراء ذلك سوى حماية استقلالية المحاماة عن التيارات السياسية اليسارية المتطرفة.
واياك أن تعتقد أن تولّيه غالبية القضايا التي ترفعها مؤسسات الدولة التونسية ضد الأشخاص أو المجموعات تأتي على خلفية علاقة معينة قد تجمعه مع قيادات حركة النهضة، بل كل ما في الأمر أن مواهبه الخارقة للعادة التي لا يضاهيه فيها أي محامي تونسي آخر بوّأته تلك المكانة التي يُحظى بها لدى كبار المسؤولين الحكوميين.
إنه المحامي الذي لا يملّ من رفع القضايا العدلية كل أسبوع من أجل الزجّ بالسجن لكل من تجرّأ انتقد الحكومة الشرعية والمنتخبة التي يسعى الجميع إلى الإطاحة بها. فهو حامي القانون الذي لا يرى بعين الرضا أن يقوم الممثل الساخر لطفي العبدلي، أثناء حصة تلفزية، بحركة إعتقد أنها "غير أخلاقية" في وجه وزير العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان سمير ديلو.
وهو أيضا المحامي النبه الذي كشف أن "الشق الفرنكوفوني القريب من الدوائر الصهيونية في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية هم وراء استهداف وزير الخارجية" بخصوص قضية "شيراتون غات".
فتحي العيوني لمن لا يعلم هو كذلك، حامي مصلحة المجلس التأسيسي، فلم ير بعين الرضا أن يقوم عدد من النواب بذلك المجلس بالانضمام إلى حزب حركة نداء تونس. لذلك رفع قضية من أجل المطالبة بعزلهم من المجلس التأسيسي. وهو لا يهمه أن يقوم نواب آخرين بالتنقل إلى أحزاب أخرى، فذلك يتنزل في إطار حريتهم في اختيار الكتل أو الحركات التي تتلاءم مع قناعاتهم. أما حركة نداء تونس فذلك حزب يجمع التجمعيين الذين كانوا يكرههم منذ الزمن البائد ولن يغفل له جفن قبل أن يقصيهم نهائياً من الحياة السياسية.
ولا تستغرب أن تجده أيضا يلقي خطبة في مسجد مدينة حمام الأنف. فله كذلك، موهبتيْ الوعظ والارشاد الديني التي تسمحان له بنشر الدين الاسلامي وقيمه المعتدلة لدى عموم المصلين الذين لولا دروسه لظلوا على ضلال مُبين.
إنه "السوبر-محامي" الذي لا يختزل في شخصه مبادئ النفاق والمهادنة والانبطاح. ونحمد الله على أن أمثاله كثر في البلد، ولو لاهم لاستطاع حاسدي الحكومة الشرعية والمنتخبة من اسقاطها، ولانتصرت الثورة المضادة. فدمت أيها المحامي فتحي العيوني مسخرة المحاماة التونسية.




الصوت الآخر

سفيان الشورابي