الجمعة، 1 مايو 2020

لماذا لا يثق عموم التونسيين في الغنوشي؟ زياد الهاني

مستقر في أسفل ترتيب استطلاعات الرأي

لماذا لا يثق عموم التونسيين في الغنوشي؟

الصحافة اليوم – زياد الهاني:
أظهر استطلاع الرأي الأخير الذي نظمته مؤسسة «سيغما كونساي» بالتعاون مع جريدة المغرب التي نشرته في عددها الصادر يوم الثلاثاء 21 أفريل الجاري، أن زعيم حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب راشد خريجي الغنوشي يحتل أسفل ترتيب مؤشر ثقة التونسيين، حيث كان أكثر شخصية سياسية تنعدم فيها ثقة عموم التونسيين بنسبة 63% من عدم الثقة. يسبقه في أسفل الترتيب أو يليه في عدم الحظوة بثقة التونسيين، زعيم حزب العمال حمة الهمامي بنسبة عدم ثقة تبلغ 57%.
وهذا الرسوب في أسفل ترتيب الثقة العامة في الزعيمين التاريخيين لحزبي النهضة والعمال ليس مستجدا، ولكنه متكرر في الاستطلاعات المتعاقبة. ففي استطلاع سابق في شهر مارس ترافق الزعيمان في سلم عدم ثقة التونسيين بنسبة 68% بالنسبة للغنوشي، و62% بالنسبة للهمامي. وكان الترتيب هو نفسه بالنسبة لهما في استطلاع نوفمبر 2019، حيث حصلا على التوالي على نسبة 67،1% و65%. وهكذا دواليك...
وإذا كانت عدم ثقة التونسيين في زعيم حزب العمال مفهومة ويعكسها ضعف النتائج الانتخابية التي يتحصل عليها مع حزبه وائتلافه السياسي، خاصة بعد مساهمته بسبب سياساته الخاطئة في تحطيم الجبهة الشعبية ورصيدها الاعتباري الهام لدى عموم التونسيين، فضعف رصيد زعيم النهضة لدى التونسيين وضحالة ثقتهم في شخصه مقابل التواجد القوي لحزبه على الساحة السياسية الوطنية وسيطرته بواسطة الرافعة الديمقراطية على أغلب مفاصل الحكم، يدفع للتساؤل عن أسباب هذا التعارض؟
هل «يكره» التونسيون حركة النهضة !؟ الجواب يكون بالنفي بكل تأكيد. ليس فقط لأن هذه الحركة السياسية استطاعت تبوأ الموقع الأول في الخارطة السياسية الوطنية بما يعنيه ذلك من ثقل زخم شعبي داعم لها، ولكن لأن في قيادة هذه الحركة شخصيات تحظى برصيد هام من الاحترام لدى عموم التونسيين.
فالاستطلاع الأخير لسيغما كونساي مثلا، أظهر بأن وزير الصحة والقيادي «المشاكس» في حركة النهضة عبد اللطيف المكي، احتل المرتبة الثانية في أعلى سلم ثقة التونسيين بحصوله على نسبة 51% مباشرة بعد الرئيس قيس سعيد الذي حصل على نسبة 61%. في حين حل النائب الأول (الصوري) لرئيس حركة النهضة والنائب الأول السابق لرئيس البرلمان الشيخ عبد الفتاح مورو في المرتبة الخامسة بنسبة 23%، بعد رئيس الحكومة الياس الفخفاخ (44%) الذي حل ثالثا، ثم الكاتب الصحفي وعضو مجلس النواب الصافي سعيد (30%) الذي حل رابعا. ولم يكن مستبعدا أن الشيخ عبد الفتاح مورو المحبوب لدى طيف واسع من التونسيين، كان بإمكانه اعتلاء سدة الرئاسة، لولا خذلانه ممن كان يفترض منهم دعمه، بما جعله يكتفي بالمرتبة الثالثة في سباق رئاسة الجمهورية خلف المرشحين قيس سعيد ونبيل القروي؟

لماذا لا يثق التونسيون في الغنوشي؟
لا شك في أن صراع حركة الاتجاه الإسلامي التي أصبحت حركة النهضة فيما بعد، مع نظامي الزعيم الحبيب بورقيبة والرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ساهم بشكل كبير في توجس عامة المواطنين منها وخاصة من زعيمها راشد الغنوشي.
فغير خاف على أحد وباعتراف عدد من قادتها، أن هذه الحركة تورطت في أعمال عنف وفي اختراق الأجهزة الحساسة للدولة وأساسا منها الأمنية والعسكرية. وهو ما تهربت هيئة الحقيقة والكرامة من تناوله في إطار مسؤوليتها لإظهار الحقيقة ومنع تكرر اختراق أجهزة الدولة الديمقراطية واستهدافها.
وكان منتظرا ومفروضا في إطار ترسيخ أسس الدولة الديمقراطية والمصالحة الوطنية الشاملة أن تعترف الحركة بشكل مفصل بأخطائها واختراقاتها للدولة وتساهم في وضع الأطر الكفيلة بمنع كل تعدٍّ على أجهزة الدولة مستقبلا من قبل كل من تسول له نفسه الالتفاف على نظامها الديمقراطي واغتصاب الحكم للتسلط على التونسيين، لكن ذلك للأسف لم يحصل. وتمسك زعيم الحركة برفض الكشف عن تنظيمه السري، وهو ما يبقي الشكوك قائمة حول مدى تواصل هذا التنظيم السري كجناح رديف للعمل السياسي وقوة ضاربة يُلجأ لها عند الضرورة.
بل وعلاوة على ذلك، شاهد عموم التونسيين زعيم حركة النهضة إثر عودته لتونس بعد 14 جانفي2011 وهو يؤكد //عزمه مواصلة العمل السياسي والثقافي والاجتماعي في صفوف الشعب وليس على مستوى الحكم أو المنصب السياسي، مشيرا إلى أن أعضاء حركته الذين يصغرونه سنا هم الذين سوف يشاركون في إدارة البلاد نحو حكم عادل ومقبول.
وعلى صعيد قيادته لحركة النهضة، قال الغنوشي إنه لا يزال رئيسا للحركة استنادا إلى آخر مؤتمر، لكنه أشار إلى أنه وبعد انعقاد المؤتمر القادم للحركة -بعد عام أو أقل- سوف يعفي نفسه من هذه المهمة كما وعد في المؤتمر السابق.// مثلما جاء في تصريحه لموقع الجزيرة نت يوم 2011/01/29، فضلا عن تصريحه التلفزي الدامع الشهير في نفس السياق!!
ما الذي تحقق من ذلك كله؟
لا شيء !!
فرئيس الحركة خالف عهده بعدم «مواصلة العمل السياسي على مستوى الحكم أو المنصب السياسي»..
وخالف عهده بأن «أعضاء حركته الذين يصغرونه سنا هم الذين سوف يشاركون في إدارة البلد» التي ما زال متمسكا بقيادتها بنفسه من خلال رئاسته للحركة وللبرلمان في نفس الوقت.
كما خالف عهده بأن يعفي نفسه من رئاسة الحركة ليفسح المجال لغيره، بل تفيد بعض المؤشرات بأن «حوارييه» جادون في العمل على تغيير القانون الأساسي للحركة للسماح له بولاية جديدة مع العمل على تأجيل المؤتمر المقرر انعقاده في الربيع الحالي، في صورة عدم تحقيق هذه النتيجة؟
وغير ذلك من التناقضات في مواقف وتصريحات زعيم حركة النهضة موثقة، وتجعل الجزء الغالب من التونسيين يأبون منحه ثقتهم.
صحيح أن الغنوشي طوّر مظهره الخارجي ونجح في الحظوة برئاسة البرلمان، وأصبح مقصدا لذوي الحاجة والمطامح والمطامع داخليا، ولممثلي الدول الأجنبية الباحثين عن طرف قوي يكون قادرا على إدارة الدولة ويمكن لدولهم التعامل معه؛
وصحيح أيضا أنه بانتهاجه سياسة الوفاق مع الرئيس الراحل محمد الباجي قائد السبسي والالتقاء مع حركة نداء تونس، مكّن البلاد من تجنب محرقة حرب أهلية لا تبقي ولا تذر؛
لكن الثابت قطعا أن تمسكه بالبقاء في واجهة المشهد السياسي الوطني كغيره من «الزعماء التاريخيين» الذين انتهت مدة صلاحيتهم القيادية وما زالوا متمسكين بأذيال مناصب الرئاسة الكارتونية والزعامة الوهمية، أصبح يشكل طبقة عازلة وعائقا أمام انطلاق الواقع السياسي نحو أفق أرحب وأكثر تطورا، بقيادة طاقات خلاقة وقيادات جديدة تستحق أن تأخذ فرصتها للمساهمة في النهوض بتونس وبناء مستقبلها المتطور.