الخميس، 21 مايو 2020

الديوانة التونسية والحرب الوهمية على الفساد



تصدر خبر إحالة 21 ضابطا ساميا من الديوانة التونسيّة على التقاعد الوجوبي كافة عناوين الأخبار خلال هذا الأسبوع، ويجدر بالذكر بأن إحالة هؤلاء على التقاعد الوجوبي جاء تبعا لشكاية تمّ التقدّم بها منذ يوم 26 ماي 2017 حول شبهة تورّط المحالين في عمليّات تجاريّة مشبوهة.

المحالون على التقاعد الوجوبي هم مجموعة من القيادات في مؤسسة الديوانة التونسية تعلقت بهم عديد شبهات الفساد منها على سبيل الذكر وليس الحصر تسهيل عمليّات توريد غير قانونية لفائدة رجال أعمال نافذين وتوفير الحماية اللازمة لتأمين نقل بضاعتهم مقابل تقاضي "قهوتهم" التي تسوى مليارات. كما يجدر بالذكر بأن هذا النوع من العمليات غالبا ما يكون ثمار تعاون سياسي.

 

تقرير الهيئة العامة للرقابة المالية

الهيئة العامة للرقابة المالية الراجعة بالنظر الى وزارة المالية، أنجزت تفقدا معمقا صلب الديوانة التونسية وفق إذن بمأمورية عدد 2 بتاريخ 8 فيفري 2011 تضمن تفصيلا لكافة المخالفات التي قام بها عديد الإطارات في الديوانة، مخالفات تضمنت فسادا ماليا وإداريا حصيلته بالمليارات تم قبره وظل على رفوف وزارة المالية والقطب القضائي المالي الى حين كتابة هذه السطور.

التقرير المذكور تضمن أسماء لأشخاص نجدهم في لجنة مكافحة الفساد التي شكلها رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد في البحيرة، لجنة موازية ظاهرها مكافحة الفساد وباطنها الابتزاز وترسيخ مصالح أفراد وجماعات في حرب وهمية على الفساد الذي نخر كافة مؤسسات الدولة.

اذ تضمنت هذه اللجنة وزيرين سابقين تواترت حولهما عديد الشبهات  , و إطارات من الديوانة أسماءها  موجودة في تقرير هيئة الرقابة المالية مثل "و.س" الذي يعرف بالنطار و  "م.ق" المكنى بالجنرال و القاضي  "ب. ب ع" الذي و بالرغم من وجود ملفات فساد ضده الا أنه تمت ترقيته في شهر فيفري الفارط بقرار من المجلس الأعلى للقضاء وسط معارضة عديد القضاة التونسيين و تضمنت اللجنة عدة  أسماء أخرى خيرها يوسف الشاهد على هيئة موجودة فعلا و هي هيئة مكافحة الفساد و على جهاز قضائي مختص في قضايا الفساد المالي و هو القطب القضائي المالي.

 

الديوانة التونسية والحرب ''الوهمية'' على الفساد!

 

ابتزاز لمستثمرين وتحيّل ثم استغلال نفوذ وارتشاء، ذلك ما عمد اليه إطاران بالديوانة التونسية، بالتوازي مع الحملة التي أعلنتها الحكومة التونسية على الفساد خلال النصف الثاني من سنة 2017.

إذ بينما انشغل التونسيون بـدعم ''الحرب على الفساد'' كما سوّقت لها حكومة الشاهد، ابتداء من 23 ماي 2017، اختار عميدان في الديوانة ثالثتهم تاجرة، استغلال حملات الإيقاف لابتزاز عدد من رجال الأعمال لنيل رشاوي بلغت 240 ألف دينار على الأقل في هذه القضية و ذلك حسب معطيات تحصلت عليها منظمة "أنا يقظ".

بدأ الأمر إثر قيام اطارين من الديوانة التونسية بالاتصال بمستثمر لإيهامه بورود اسمه في قائمة الشخصيات المتوقع منعها من السفر بتهمة التهرّب من دفع المعاليم الديوانية وتوريد سلع خارج الصيغ القانونية، ليتم بعد ذلك حثّه على الهروب الى فرنسا كي لا يتم تطبيق الإقامة الجبرية عليه و منعه من السفر.

لم يقف الأمر عند هذا الحد فبعد ذلك طلب الاطاران الديوانيان من المستثمر مبلغا ماليا قيمته 120 ألف دينار بدعوى توزيعه على إطارات في الديوانة وقاض بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي، مقابل تسوية وضعيته الديوانية مقنعين إياه بمعطيات وهمية وشهادات مغلوطة.

وقد تم استغلال العديد من الوسائل والتقنيات في عملية الابتزاز على غرار تدليس وثائق بحث لإيهام المستثمر بوجود اسمه في قائمة رجال الاعمال المعنيين بإجراء منع السفر والاعتماد على تطبيقات هاتفية مثل WhatsApp وSignalوTelegram وViber والاستعانة بأصدقاء وأقارب الضحية لإبلاغه بالمعلومات المراد ايصالها مع تعمّد ترك الهواتف الشخصية في أماكن العمل اثناء الالتقاء بالضحية أو فيما بينهم، واختيار بعض الأماكن العامة من مقاه ومطاعم فاخرة لعقد الاجتماعات واللقاءات.

 

هذا المستثمر وفور علمه بوجود تاجر من معارفه ضمن اللائحة الوهمية أقنع التاجر بدفع مبلغ 120 ألف دينار هو الاخر لقاء تسوية وضعيته وبذلك تقاضى الديوانيان رشوة لقاء خدمة وهمية قيمتها الجملية 240 ألف دينار.   

ليتكشف المستثمر لاحقا أنه تعرض الى عملية تحيل من الديوانيين وأن أسمه واسم صديقه التاجر غير موجودين في قائمة رجال الاعمال المعنيين بإجراء منع السفر.

أما عصابة التحيل والارتشاء فقد حاولت الخروج من هذا المأزق بمداهمة شركة المستثمر بعد اكتشاف المستثمر الحقيقة عن طريق القطب القضائي الاقتصادي والمالي.

بينما لم تتحرك النيابة العمومية لمحاسبة الضالعين في هذا الابتزاز.

 

نطاّر في الديوانة

 

النطاّر هو هو عقيد بالديوانة تدرج الى هذه الرتبة بطرق غير قانونية وتورط في عديد قضايا الفساد منذ توليه هذه الرتبة. وهو معروف في أوساط الديوانة ورجال الأعمال والمهربين بهذه الكنية لأنه يسرق من الحاويات ويتلقى عمولته عن كل حاوية سواء وافق الطرف الثاني أم لا.

وقد أثبت تقرير هيئة الرقابة المالية أن هذا الاخير قام بتلقي عديد الرشاوي مقابل تسهيل عمليات تهريب لفائدة أصهار الرئيس السابق زين العابدين بن علي وله علاقة وطيدة تجمعه برجل الأعمال ياسين الشنوفي القابع في السجن بسبب تهم فساد.

النطار وحسب نفس التقرير قبض في سنة 2010 مبالغ طائلة كرشوة مقابل تهريب 459 حاوية تابعة لتجار الأثاث حيث قدرت بحوالي 40 ألف دينار عن الحاوية الواحدة.

 

 النطاّر كان اليد اليمنى للطرابلسية قبل الثورة وأصبح بعدها مستشار يوسف الشاهد في اللجنة التي أنشأها الشاهد لمكافحة الفساد بالبحيرة صحبة مهدي بن غربية في إطار الحرب المزعومة ضد الفساد،

قبل ذلك تم تعيين "و.س" الملقب بالنطار من طرف الحبيب الصيد كعضو قار في لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي. (أمر حكومي عدد 108 لسنة 2016 مؤرخ في 18 جانفي 2016).  يجدر بالذكر بأن لجنة التحاليل المالية هي لجنة تتولى التقصي الدقيق في الجرائم المالية وجرائم الصرف. و لا يفوتها أي تفصيل حول كل بلاغات تبييض الأموال و تهريب العملة و بالتالي فأن تعيين النطار كعضو قار صلب هذه اللجنة لم يكن بريئا و انما وضع النطار هناك كي يكون على بينة بكافة مستجدات الأبحاث التي تقوم بها اللجنة المذكورة سواء لابتزاز رجال الاعمال المتورطين مقابل تلقي رشوة أو لتعطيل الأبحاث المتعلقة برجال الأعمال الذين على علاقة بهذا الأخير، بعد أشهر من تعيينه في منصب عضو قار صلب لجنة التحاليل المالية تم تعيينه  من طرف الحبيب الصيد كمدير لمركز الأبحاث الديوانية بالإدارة العامة للديوانة.

 

 

الرائد الرسمي للجمهورية التونسية

 

 

ليختتم النطاّر مسيرته المهنية إثر تعيينه من طرف رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد كمراقب عام برتبة وامتيازات مدير وبمنحة الرقابة العامة وذلك سنة 2018.


source:Iwatch