الجمعة، 12 أكتوبر 2012

كاتب الدولة التونسي للشؤون الأوروبية: الغنوشي ليس شيخا ولا مفكرا.. ومستقبل «النهضة» ليس معه


قال كاتب الدولة المكلف الشؤون الأوروبية في وزارة الخارجية التونسية، الدكتور التهامي العبدولي، إنه لا يعتبر «الشيخ» راشد الغنوشي شيخا، وأوضح لـ«الشرق الأوسط»: «لأن المشيخة شهادة علمية يمنحها إما الأزهر أو الزيتونة أو القيروان، فهو رجل عادي، ليس شيخا وليس مفكرا بالمعنى الحقيقي للكلمة، هو سياسي»، وحول تصريحاته التي سربت على مواقع التواصل الاجتماعي عند لقائه في شهر فبراير (شباط) الماضي الشباب السلفي، قال: «أنا لست متأكدا من صحتها، ولكن إن كان قال هذا فإنه بهذا يشوش على عمل الحكومة ويسبب لنا مشاكل مع أطراف أجنبية والأحزاب المعارضة في تونس، والمفروض أنه لا يمكن لأي رئيس حزب أو قائد سياسي التدخل في عمل الحكومة شخصيا ولو مرة واحدة. وأتمنى ألا يكون قد قال هذا الكلام».
وأضاف العبدولي: «مستقبل (النهضة) ليس مع راشد الغنوشي.. مستقبل (النهضة) هو مع حمادي الجبالي»، وأضاف: «أي تطرف كان، حتى ولو كان من راشد الغنوشي سنقاومه»، مضيفا: «الغنوشي يحظى باحترام، لكن على العاقل أن يعرف ما يقول».
وحول التعامل مع السلفيين، قال كاتب الدولة إن «التعامل معهم الآن لن يكون بصفتهم سلفيين، وإنما بصفتهم متشددين يتجاوزون القانون ويخترقون الحريات العامة، فتطبيق القانون سيكون صارما.. والسلفيون في تونس ليس لهم خيار، إما أن ينضبطوا ويحترموا الشعب التونسي، وإلا فهناك رفض اجتماعي لهم، ثم إنهم ليس بإمكانهم العيش بيننا إذا واصلوا على هذه الطريقة»، وأضاف: «بما أنهم يخرجون على القانون، فلا مكان لهم بيننا».
وحول تمويل السلفيين في تونس، قال العبدولي: «ليست لنا أدلة واضحة حول تورط دولة ما في دعمهم، ولكن هناك جمعيات سلفية في الخليج تدعم هذه المجموعات السلفية في تونس، فدعمهم يتم عن طريق الجمعيات وليس عن طريق الدول. وهم يريدون ترويج الفكر السلفي، وبعضها لا يدعم التشدد، بل الفكر السلفي». وأضاف: «تونس دولة مدنية بامتياز ولا يمكن أسلمتها.. إن وقعت أسلمة أو تشدد فإننا سنقاومهما».
والتقت «الشرق الأوسط» كاتب الدولة المكلف الشؤون الأوروبية في وزارة الخارجية التونسية، الدكتور التهامي العبدولي، في لندن، على هامش زيارة يحمل فيها رسالة من رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي لنظيره ديفيد كاميرون، وكان لنا معه حوار هذا نصه:
* هذه الزيارة لبريطانيا، في أي إطار تندرج؟ 
- أزور لندن بصفتي مبعوثا خاصا لرئيس الحكومة، محملا برسالة مكتوبة إلى نظير في المملكة المتحدة، وهي رسالة فيها شرح لمجمل الأوضاع في تونس وموقف الحكومة بعد أحداث 14 سبتمبر (أيلول) الماضي، وما إمكانيات خريطة الطريق بعد 13 أكتوبر، ومختلف الإنجازات التي يمكن أن تحققها الحكومة في ما يتعلق بإنهاء الدستور والتصديق عليه، ثم إعداد القانون العام للانتخاب للمجلة الانتخابية، ثم في ما بعد الهيئة العليا للانتخابات والهيئة الخاصة بالإعلام. هي رسالة لها ثلاثة مستويات؛ المستوى الأول هو المستوى الأمني المتعلق بقضية السلفية، وموقف الحكومة واضح بأن الحكومة لن تقبل بأن تسمح بهذه التجاوزات، ورسالة سياسية، ورسالة طلب دعم في المستويين الاقتصادي والاجتماعي وكذلك في المستوى الأمني.
* تقصدون طلب منح أو قروض، أو ما شكل الدعم المطلوب؟
- نحن سبق أن بدأنا بما يسمى مشروع التنمية المتضامنة، وهذا ما يعني أنه لا يمكن لتونس وحدها أن تنجح هذا النموذج للثورة العربية، لأنها لن تكون بمفردها قادرة على مجابهة الطلبات الاجتماعية وعلى فتح الطاقة التشغيلية، فلا بد من دعم الخارجي، وذلك بجلب الاستثمارات الخارجية وبالتعاون متى أمكن ذلك، لأنه قدر تاريخيا أنه على هذا النموذج أن ينجح، لأنه إن فشل فستفشل بقية النماذج الأخرى.
* كنتم في ألمانيا، هل تندرج زيارتكم في إطار جولة أوروبية، وهل تحملون نفس مضمون الرسالة لدول الاتحاد الأوروبي؟ 
- نعم، هي فكرة المبعوث الخاص، انطلقت مع السيد رئيس الحكومة بعد أحداث 14 سبتمبر (أيلول)، وقررنا أن نزور أهم العواصم الأوروبية، محملين بهذه الرسالة التي تحمل نفس الرسائل السياسية، لكن تختلف حسب العلاقة مع كل دولة، بدأت بإيطاليا ثم سويسرا، ثم بلجيكا، وكان رئيس الحكومة حضر في زيارة رسمية لكل مؤسسات الاتحاد الأوروبي مع بلجيكا، ثم سافرت إلى ألمانيا وكان الموضوع مزدوجا، فكان هناك اجتماع حول إمكانيات التعاون على المستوى الأمني، وخاصة تدريب عناصر الشرطة التونسية لمعرفة كيفية التعامل مع المتظاهرين في إطار حقوق الإنسان، كما حملت للمستشارة ميركل رسالة رئيس الحكومة، وتدارسنا آفاق زيارتها لتونس التي ستكون في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل لتونس، بعد أن تم تأجيلها، حيث كان من المفترض أن تكون يوم 9 من الشهر الحالي.
* عندما تذكرون أنكم تحملون رسائل طمأنة للدول الأوروبية بعد الهجومات التي تعرضت لها السفارة الأميركية في 14 من شهر سبتمبر الماضي، هل تلقيتم رسائل احتجاجات أو مواقف رسمية دفعتكم للقيام بمثل هذه الزيارات وحمل رسائل الطمأنة؟
 - التخوف طبيعي، وأكثر سفارات الاتحاد الأوروبي هاتفوني، وطلبوا تعزيز الحماية، لأنه بعد حادثة الهجوم على السفارة الأميركية مباشرة كان هناك إشكال، وهو أن بعض الأطراف الألمانية المتشددة كانت ستبث الفيلم، ثم المجلة الفرنسية «شارلي إبدو» التي نشرت الكاريكاتير المسيء للرسول وهو قديم لكنها أعادت نشره، وهذا أمر طبيعي، ولكن ضاعفنا من حماية البعثات الدبلوماسية وتفعيل المراقبة التامة.. والحمد لله لم يحصل أي شيء، والتقينا كل البعثات، وزالت المخاوف، وعاد الأمن في الجمعة التالية مباشرة، لأن الدولة كانت قد اتخذت كل التدابير اللازمة والحاسمة لمجابهة التشتت.
* في تونس، الحركات السلفية جاءت الطمأنة منها في البداية، ولم يكن التخوف منهم جديا، لكن نلاحظ تصعيدا من طرف السلفيين، وتطور الأمر إلى أعمال عنف، ليست لفظية فحسب، بل حتى جسدية، وليس على التونسيين فحسب، وخير دليل الهجوم على السفارة الأميركية، لو تفسر لنا حقيقة وضع الحركات السلفية وازدهار حركتهم بهذه السرعة؟ 
 - قضية التشدد قضية دولة، بمعنى أن التشدد السلفي يهدد أمن الدولة واستقرارها، لكن يجب أن نعود إلى الحكومة الأولى بعد الثورة مباشرة، فقد كان هناك تساهل في مستوى التعامل الأمني مع المتشددين، وهذا طبيعي؛ لأن الدولة وقتها كانت رخوة بعض الشيء، ولم تتخذ، لا حكومة محمد الغنوشي ولا حكومة الباجي قائد السبسي، الإجراءات الصارمة والرادعة لمنعهم، ثم تمتعوا بالعفو العام، ثم بعد خروجهم من السجون، بدل أن يتمتعوا بالحرية التي منحت لهم، اعتقدوا أنهم يجب أن يعيشوا فوق القانون.
وحقيقة ما حدث، هو أنه تم تنظيم التشدد السلفي، وتقسيمهم إلى ثلاثة أنواع؛ يشتغلون وينسقون بعضهم مع بعض، هناك مجموعة أسميها، حسب تحليلي، «مجموعة بن علي»، وهم من أعوان بن علي السابقين، التحوا فجأة وأصبحوا ينسقون مع مجموعة ثانية وهي المجموعة الخارجة على القانون التي كانت في السجون من المجرمين، وهم كذلك التحوا، ومعا اعتبروا أنفسهم خارج القانون، ثم تم التنسيق مع الطرف الثالث المتشدد وهو التيار السلفي الحقيقي، الذي له مفهوم يعتمد عليه وهو مفهوم الاحتطاب، يعني أنه يمكنه أن يسرق وينهب وغير ذلك وفق قاعدة مالية أساسية، فهناك قاعدة أساسية بينهم، فكلهم يريدون أن يعيشوا خارج القانون وفوق سلطته، يعني أن هناك عوامل موضوعية جعلتهم يجتمعون معا ضد الحرية.
والتيار السلفي، في حد ذاته، يجب ألا نظلمه؛ هناك نوعان: نوع يسمى السلفية العلمية، وهي سلفية مسالمة تقوم بتأويل القرآن وفق مقاييس العقل أو المقاييس الدينية التي هي في أذهانهم، ثم هناك السلفية الجهادية وهي السلفية الأخطر. والمشكلة الآن أنه مع «مجموعة بن علي» ومع الخارجين على القانون «البلطجية»، الدولة يمكن أن تجد صعوبة، لكن الجهادية المتشددة يمكن أن تنقلب في أي لحظة لتصبح إرهابية، ومسؤولية الدولة أن تقاوم هذا التطرف وهذا الغلو بالكامل في إطار حقوق الإنسان، لن نسمح لهم بالاعتداء على تونس وهي دولة مسلمة مسالمة معتدلة، وليس فيها غلو بأي شكل من الأشكال.
والتعامل معهم الآن لن يكون بصفتهم سلفيين، وإنما بصفتهم متشددين يتجاوزون القانون ويخترقون الحريات العامة، فتطبيق القانون سيكون صارما، ونحن سنجابههم بكل ما أمكننا من وسائل قانونية، والسلفيون في تونس ليس لهم خيار؛ إما أن ينضبطوا ويحترموا الشعب التونسي، وإلا فهناك رفض اجتماعي لهم، ثم إنه ليس بإمكانهم العيش بيننا إذا ظلوا على هذه الطريقة.
وحتى في تعامل السلطة معهم، بدأنا في البداية بما سميناه التواصل الاجتماعي والمحاورة، لكنهم لم يفهموا هذا، لذلك انتقلنا إلى الحل الأمني القانوني، لأنه لا يمكن لتونس الاستقرار اقتصاديا واجتماعيا إلا إذا تحقق الطرف الأول من المعادلة وهو الأمن، وبما أنهم يخرجون على القانون فلا مكان لهم بيننا.
* أكثر الدول الديمقراطية في العالم تجابه مأزقا بين تطبيق القانون، وحقوق الإنسان أمام «الحركات الإرهابية»، فالأمر حساس وقد يتضارب، فهل تمر حكومة تونس بهذه المعضلة وهي الحزم مع «المتشددين» مع ضمان الحريات؟ وكيف يمكنكم التمييز بين التصنيفات المختلفة التي ذكرتموها للسلفيين؟
- أنا لا أسميه مأزقا، وإنما صعوبة في المعادلة، كيف يمكن أن نحقق معادلة بين جعلهم يخضعون للقانون دون المساس بحقوق الإنسان مع تطوير الجهاز الأمني عن طريق التنمية في مستوى الأجهزة الأمنية.
- المشكل أن ظاهرة التشدد السلفي، بالذات، ظاهرة مزدوجة، فهي ظاهرة عالمية وظاهرة محلية، وهناك تعاون بينما، لأن أغلبهم من أبناء تونس، لكنهم كانوا في العراق في أفغانستان في سوريا، في اليمن وفي ليبيا، وعندما عادوا إلى تونس بقيت لهم علاقات مع أطراف دولية، قد يكونون من التونسيين أو غيرهم، لكن لم يؤثر التواصل إلى حد الآن، فالمتشددون في تونس ليست لهم أسلحة، وحتى المجموعة التي دخلت من ليبيا من نوع المتشدد الدولي وليس الداخلي، فإلى حد الآن هناك نجاح في السيطرة التامة على الأسلحة. ولكن الاعتقالات الأخيرة بعد 14 سبتمبر مكنت من اتضاح الرؤية، وأصبح الأمر تحت السيطرة التامة، ونعرف مع من ينسقون في الخارج وإمكانية تأثير عملهم على تونس.
وبالنسبة للتمييز، الأمر سهل جدا، لأنه عندما يتم اعتقال مجموعة من السلفيين المتشددين يعرفون من معهم ومن ليس معهم، ونحن نعرف بالقوائم من هم «جماعة بن علي» ومن هم «البلطجية» الذين تمتعوا بقانون العفو العام ثم نعرف من هم السلفيون، نحن نعرفهم ونرصد تحركاتهم. وإلى حد الآن أن المشكل بقي تونسي تونسي، ولم تتم اعتداءات على السياح.
* تتوارد معلومات عن أن السلفيين في تونس يتلقون دعما ماليا من الخارج، ما مدى صحة هذا الأمر؟
- ليست لنا أدلة واضحة حول تورط دولة ما في دعمهم، ولكن هناك جمعيات سلفية في الخليج تدعم هذه المجموعات السلفية في تونس، فدعمهم يتم عن طريق الجمعيات وليس عن طريق الدول. ويريدون ترويج الفكر السلفي، وبعضها لا تدعم التشدد، بل الفكر السلفي.
تونس لها خصوصياتها، هي ذات فسيفساء تحترم كل الأديان، وفيها العلمانيون بمعناهم الحقيقي وليس التفسيرات الخاطئة، وتونس دولة مدنية بامتياز، ولا يمكن أسلمتها، إن وقعت أسلمة أو تشدد فإننا سنقاومهما.
* سرب أول من أمس شريط يحمل تصريحات نسبت للشيخ راشد الغنوشي، لكن حركة النهضة سارعت بإصدار بيان قالت فيه إن التصريحات تم إخراجها عن سياقها وإن الشريط مفبرك؟ ما رأيكم في الشريط، وما رأيكم في المنصب الذي يحتله الشيخ راشد الغنوشي في تونس الآن، الذي أصبح يحتل «قدسية» معينة كأنه القائد الروحي لتونس؟ 
- أولا الغنوشي ليس شيخا، لأن المشيخة شهادة علمية، يمنحها إما الأزهر أو الزيتونة أو القيروان، فهو رجل عادي، ليس شيخا وليس مفكرا بالمعنى الحقيقي للكلمة، هو سياسي، أعتقد أن هناك نوعا من التشويش على عمل الحكومة بمثل هذه التصريحات، أنا لست متأكدا من صحتها، ولكن إن كان قال هذا فإنه بهذا يشوش على عمل الحكومة ويسبب لنا مشاكل مع أطراف أجنبية والأحزاب المعارضة في تونس، والمفروض أنه لا يمكن لأي رئيس حزب أو قائد سياسي التدخل في عمل الحكومة شخصيا ولو مرة واحدة. وأتمنى ألا يكون قد قال هذا الكلام. 
مستقبل «النهضة» ليس مع راشد الغنوشي، هو غير قادر على فهم الأوضاع الآن في تونس وعلى تحليل الوضع الاجتماعي في تونس، ربما لأنه كان في العزلة، مستقبل «النهضة» مع حمادي الجبالي، فهو شخص معتدل جدا، وأنا أعمل مع رئيس حكومة أحترمه وأقدره، وأعلم أنه صادق، ولا أعتقد أن راشد الغنوشي يمكنه أن يؤثر على عمل الحكومة بالشكل الذي يتوهمه الشارع في تونس. وأنا أنتمي إلى حزب وسطي، وأي تطرف كان حتى ولو كان من راشد الغنوشي سنقاومه. وحتى عندما يتطرف السياسيون فسيخضعون لسلطة القانون. وإذا اعتبر كلامه تحريضا، فإن هذا سيعرضه لسلطة القانون. الغنوشي يحظى باحترام، لكن على العاقل أن يعرف ما يقول، لأن هذا يحرجنا، وهو مواطن يجب أن يعرف ما يصرح به، وهو لا يتدخل في عمل الحكومة. 
* منذ يومين أو ثلاثة، ثلاثة نواب من الحزب الذي تنتمون إليه «التكتل» انسحبوا من المجلس التأسيسي، هل هذا يعني أن حكومة الترويكا مهددة، أم أن هذا يعود لمواقف شخصية خاصة بهم؟

- الترويكا تجربة فريدة من نوعها، قد نختلف في مستوى المرجعيات والمواقف، لكن السياق العام والمسار إيجابي رغم الاختلافات، ونحن قادرون على تطبيقها، ونفكر في مصلحة تونس أولا، ومن انسحبوا لهم الحرية في الانسحاب، ولكن هذا يدل على عدم نضج في الوعي السياسي، لأنهم جاؤوا بعد الثورة لـ«التكتل» ولم يفهم السياق الذي نعمل فيه. لكن هناك وعي أشمل بضرورة استمرارية الدولة. 

 الشرق الأوسط