الاثنين، 14 نوفمبر 2011

تشويش على قائمة الصحافيين السوداء


أطلّت علينا الشبكة العنكبوتيّة في المدة القليلة الماضية بقائمة أوّليّة في إعلاميي الحقبة السوداء تحت إمضاء لجنة الصحافيين الشبان بالنقابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين التي أنكرت نسبتها إليها.
وما زال هذا الموضوع يُثير جدلا في الساحة الإعلامية وخارجها, يتعلّق شطره الأول بجاني هيكلي يتعلق بنقابة الصحافيين حيث تضعها القائمة في دائرة الاتهام سواء حين تُضمّن عجزها على إدارة ملف القائمة السوداء لتباطأ خطواتها واقتصارها حدّ اللّحظة على مناقشة آليات المعالجة بما يُوحي بالسعي إلى قبر الموضوع برمته, أو عبر إدراج أعضاء من قياداتها الحاليّة أو السابقة في تلك القائمة للإيحاء بعدم أهليتها لتولّي أمر هذا الملف الخطير في دعوة صريحة إلى أن تبادر بترميم بنيانها الداخلي قبل أن تتطلّع إلى تطهير الإعلام من أهمّ أدرانه.
وهذا التحليل يضع واضعي القائمة المفترضة في سياق مسار الالتفاف على هيكل مستقل ومنتخب ديمقراطيا, تحرّكه العناصر الخاسرة في المؤتمر الأخير وتدعّمه أطراف تحنّ إلى أيّام جمال الكرماوي وتناور بتأسيس نقابة موازية إذا لم يتمّ التزحزح عن التعامل عن التعامل معها كأقليّة غير محدّدة في صياغة إستراتيجيات المنظمة.
أمّا شطره الثاني فيتعلّق بأحد أعمدة موضوع العدالة الانتقالية ألا وهو المحاسبة الذي تحاول هذه القائمة المخاتلة التشويش عليه في مواصلة لتمشّ ظهر أوّلا في مؤتمر النقابة الأخير عبر سعي حثيث لقتل الفكرة في المهد على أساس أنها ستشقّ الصف الصحفي في الوقت الذي يحتاج فيه القطاع إلى جهود كلّ عناصره بعد فترة صعبة تقطّعت فيه أوصاله ووصل فيه مستوى المهنة إلى الحضيض, وتبلور لاحقا بالدعوة الصريحة إلى المصارحة والمكاشفة ونبذ الاستئصال والاجتثاث والتقليل من شأن الجريمة الصحفيّة عبر إقامة مقارنات لا تجوز مع مثيلاتها السياسية والاقتصادية والقضائية لإبقائها ضمن الجدل الدائر حول حرية التعبير.وقد تعرف خاتمتها قريبا بالتخويف من الخطر الإسلامي على الحريات الإعلامية وبالدعوة إلى تجميع كلّ الطاقات للتصدي له.
إنّ هذه القائمة المدسوسة حين تضع عديد الصحافيين الذين برزوا في السنوات الأخيرة بدفاعهم عن المهنة وحرية الصحافة وبنضالهم ضدّ دكتاتوريّة بن علي في نفس الخندق مع أولئك الذين تنكروا للرسالة الإعلامية وتجنّدوا لنصرة نظام قمعيّ, فلتساوي بين الجلاد والضحية ولتسم كلّ القطاع الإعلامي بالذنوب والخطايا في مسعى تهويميّ تعويميّ تنعدم فيه الخطوط وتتماهى فيه المتضادّات, يختزل الرهانات الإعلامية الحالية في أسوارها الإدارية والتقنيّة, وينسف من الأساس فكرة القائمة سواء كانت سوداء أو بنفسجيّة.
كما أنّ الحديث عن قوائم بدل قائمة واحدة قد يُقصد به سدّ الباب أمام أيّ محاولة جديّة ومُؤسّساتيّة تضع صحافيي التجمّع والصحافيين اللصوص والصحافيين المخبرين أمام مسؤولياتهم التاريخيّة ويُوكل للقضاء في مرحلة ثانية أمر إدراجهم في حساباته, ولكن قد يُقصد به أيضا تحسيسنا بالا جدوى عبر إغراقنا في مسلسل من القوائم لا تنتهي يإمكان الملل الذي يمكن أن يتسرّب لنا منه أن يُشككنا في قدرة المعايير العلميّة على معالجة ملفّ كهذا.
إنّ مثل هذه التسريبات لئن تضع نقابة الصحافيين أمام تحدّ كبير ينضاف إلى مجمل القضايا التي تشتغل عليها والتي ائتمنها عليها جموع الصحافيين, تضطرّها إلى إعلام الرّأي العامّ أوّلا بأوّل بأهمّ الخطوات التي تقطعها في علاقة بالقائمة السوداء دون تأثر بالجدل الدّائر حولها ودون ردود أفعال متشنّجة قد تنعكس على طبيعة الأسماء التي سترد ضمن القائمة, فإنّها تكشف لنا حجم المقاومة الذي يُبديه صحافيو بن علي في موضوع تصفية تركة النظام الديكتاتوري والذي يدفع بعضهم الآن للتهليل والتقرب من الحزب الفائز في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في مناورة متكررة للتهرب المستحيل من استحقاقات الثورة التي لن تسمح بالإفلات من المحاسبة تحت أيّ مسوّغات.
°صدر هذا المقال بجريدة صوت الشعب في عدد الخميس 10 نوفمبر
 بقلم الفاهم بوكدوس