الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

"فقراء" تونس ينادون "الغرافيتي ليس جريمة"

غرافيتي لمجموعة "زواولة" - نشر على صفحة الفيس بوك التابعة للمجموعة
عرفت الساحة الفنية في البلدان العربية وخاصة في بلدان الثورة على غرار تونس تفجرا باهرا للطاقات الإبداعية من تجهيزات فيديو وفن تشكيلي إضافة إلى الغرافيتي الذي حول حيطان المدن إلى أفضل شاهد عليها. لكن تبدو القيود الممارسة على الفنانين عديدة فبعد هجوم سلفيين على معرض العبدلية في الربيع الماضي، وسجن رسام كاريكاتوروغيرها من الأحداث، جاء دور "فن الشارع" ليمثل أمام القضاء في واقعة هزت مؤخرا الرأي العام ...
تعرض الطالبان التونسيان أسامة بوعجيلة وشاهين بريش من مجموعة الغرافيتي "زواولة" -"الفقراء" بالعامية التونسية- لعملية مطاردة عنيفة من قبل الشرطة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في مدينة قابس الواقعة جنوب شرق تونس، في حين كانا بصدد الرسم ليلا على أحد الحيطان. وأكد الشابان أن الرصاص المطاطي أطلق في الهواء لتخويفهما وإلقاء القبض عليهما لكنهما تمكنا من الهرب.
فيديو نشره موقع "نواة" - أسامة بوعجيلة يصف القضية بـ"قضية رأي"
واستدعت فرقة الأبحاث الشابان في الخامس والسادس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري وفتح محضر للتحقيق في الغرض ووجهت إليهما التهم التالية "الكتابة على عقارات عمومية دون رخصة" ،"مخالفة قانون الطوارئ" و"نشر أخبار زائفة من شأنها الإخلال بالنظام العام". والرسامان اليوم طليقان في انتظار جلسة المحاكمة التي حددت في 5 ديسمبر/كانون الأول 2012 في المحكمة الابتدائية بقابس. وقد يواجه الفنانان عقوبة بالسجن يمكن أن تتجاوز السنتين إضافة إلى غرامة مالية قد تتجاوز ثمانية آلاف يورو.
وأكد أسامة بوعجيلة لفرانس 24 في لقاء على هامش "أيام قرطاج السينمائية" التي افتتحت في تونس الأسبوع الماضي أنهما خلال عملية التوقيف كانا يكتبان "الشعب يريد حق الفقراء". وتتميز رسوم غرافيتي "زواولة" بتسليط الضوء على أوضاع الفئات المهمشة والمطالبة بحقوق الفقراء والعاطلين عن العمل. وقد فجر فنانو الغرافيتي طاقاتهم الإبداعية بعد الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011 فصارت حيطان المدن عرسا يعبر فيه الشباب عن نصرهم ومخاوفهم ونقدهم للمشهد الاجتماعي والسياسي وبرز بعضهم على غرار الرسام "زاد" ومجموعة "أهل الكهف" كقوى واعدة إلى جانب العديد من المجهولين والفنانين العابرين الذين ساهموا في "إنطاق" الحجر... وبعد مصر ولبنان حيث تعرض رسامو الشوارع إلى عدة مضايقات، جاء دور الفنانين التونسيين ليمثلوا أمام القضاء.
تظاهرة مساندة للـ "زواولة" أمام قاعة الكوليزي خلال "أيام قرطاج السينمائية"
وتعتبر مجموعة "زواولة" أن شيئا لم يتغير بالنسبة للفئات المهمشة في تونس الثورة. وقال أسامة بوعجيلة لفرانس 24 "أمارس فن الغرافيتي ضمن مجموعة "زواولة" منذ سنوات عديدة حاملين رسالة بسيطة وهي المطالبة بالعدالة الاجتماعية واحترام حق الفقراء. الثورة لم تغير شيئا فلا زلنا نعاني مشاكل الخصخصة والفساد. صحيح أننا كسبنا بعضا من حرية التعبير فيمكننا الحديث عن الديمقراطية وعن التيار الإسلامي... لكن الوضع الاجتماعي في تونس لا يزال خطا أحمر".
حملة مساندة واسعة
وأطلقت حملة "أطلقوا زواولة" #FreeZwewlaتحت شعار "الغرافيتي ليس جريمة" بعد أن رأت عدة منظمات وفنانين وشخصيات في إحالة الرسامين على القضاء مساسا من حرية التعبير وشهدت المبادرة مساندة واسعة وتشكلت لجان داخل تونس وخارجها لدعمهما. 
بالإضافة إلى إصدار بعض المنظمات الحقوقية بيانات مساندة لأسامة وشاهين على غرار "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، و"الرابطة التونسية لحماية الحقوق الثقافية والإبداعية"، أعرب بعض الفنانين المشهورين على غرار السينمائي نوري بوزيد والمسرحي توفيق جبالي عن تضامنهم مع المجموعة. ونظمت تظاهرة على هامش "أيام قرطاج السينمائية" للفت الأنظار حول القضية فجاء العديد من الشباب إلى قاعة "الكوليزيه" حاملين لافتات تنادي بإطلاق "الزواولة" وبحرية التعبير.
كلمة السينمائي نوري بوزيد مساندة للـ "زواولة" 27/11/2012
واغتنم نوري بوزيد فرصة تقديم فيلمه المرتقب خلال المهرجان لتسليط الضوء على القضية فحضر إلى القاعة وهو يرتدي قميصا كتب عليه "زواولة، الغرافيتي ليس جريمة" وقال أمام جمهور غفير "أصدقاؤنا كتبوا أشياء جميلة على الحيطان لا تمس بمقدس ولا تجرح ولا تشتم أحدا". ونادى توفيق الجبالي من جهته بضرورة فتح المجال أمام الفنانين والشباب الذي خرج "من الخفاء إلى العلن ومن المكان المغلق إلى المكان المفتوح" ولو في "فضاءات غير معدة لذلك" في الأصل وأن "الشارع يجب أن يتحول شيئا فشيئا ملكا للمواطن".
كل العيون اليوم على تونس في انتظار محاكمة "الزواولة" الأساسية في ظل انتقال ديمقراطي يتوق إلى الحرية والعدالة والكرامة التي طالب بها شباب الثورة وقواها من عاطلين ومهمشين.

فرانس 24