الاثنين، 8 أغسطس 2011

مصير تونس تحسمه نتيجة الصراع بين 14 قرنا و50 سنة!

كان الحبيب بورقيبة وأعضاده في الحكم معادين هوية تونس العربية الإسلامية معاداة لم يعرف مثيلها أي مجتمع عربي رزح تحت نير الاستعمار الفرنسي "الجزائر، تونس، موريتانيا، المغرب..." أو الانجليزي "مصر، العراق، اليمن..." فقادة الجزائر المستقلة دعموا هوية بلادهم العربية الإسلامية بالتعريب وتبني القضايا العربية والاندماج في المحيط العربي، على أن محاولات المستعمر طيلة 130 سنة مسخ أسس الشخصية الجزائرية وتشويهها كانت تبدو غير قابلة للإفشال؛ وكذلك قادة مصر والعراق وسوريا كانوا، على قوميتهم وعلمانيتهم، محافظين بل مجذرين هوية أوطانهم العربية الإسلامية؛ ولعل عناية عبد الناصر بمؤسسة الأزهر وتطويرها لدليل على ذلك.

إن شذوذ بورقيبة بسياسة العداء السافر لهوية الشعب التونسي ليعود كما أجمع الدارسون وعلى رأسهم د. محمود الذوادي عالم الاجتماع إلى إيمانه الراسخ بأن العروبة والإسلام صخرتان أمام الالتحاق بركب الحضارة الغربية/ الحداثة، وانبهاره بحضارة الغرب انبهارا رسمه دبلوماسي غربي مختص في الشؤون العربية بقوله: "لم أر رجلا خارج فرنسا أقرب إليها من الرئيس بورقيبة، و لم أر في العالم العربي رجلا أقل تشابها للعرب منه".

ووعيه بأصوله غير العربية ورعبه من هوية "عربية إسلامية" انتماء تونس إليها يفقده الزعامة والقيادة اللتين تقلدهما عبد الناصر بامتياز، ومقته "لإسلام" يحرم عبادة الشخصية التي انتهجها بتسمية جل الشوارع باسمه والاحتفال بعيد ميلاده ونصب تماثيل له في كل مدينة وقرية ومؤسسة، وبث، كل صباح، أذكارا تمدحه، لا الرسول صلى الله عليه وسلم.

إن تنفيذ بورقيبة سياسته المعادية لهوية شعبه بالتعليم والثقافة والخطب والإعلام والقوانين ومثقفي القصر ومنظريه... أنشأ جيلين أغلبهما منتم إلى أحد تيارين متعاديين متصارعين:

أولهما اليسار الماركسي الذي كان أشد كراهية ومقتا لمقومات هوية الشعب التونسي من الأستاذ الأكبر ذاته.

وثانيهما اتجاهات إسلامية سرعان ما تسمت بالاتجاه الإسلامي الذي جعل نصب عينيه الدفاع عن إسلام تونس "وعروبتها" اللذين أخذا في التداعي بفعل ضربات النظام الفتاكة، يسانده فيما يتعلق بعروبة تونس قوميون، أوهن عظمهم تشظيهم، ورومنطقية تنظيرات مؤسسيهم ووصول بعض أحزابهم إلى السلطة منتهجين الاستبداد والتلاعب مع الأنظمة القطرية المعادية للقومية، وكانت ميادين الصراع بين الإسلاميين والمسلمين عامة واليساريين والعلمانيين قاطبة بمن فيهم رجال النظام ساحات الجامعات ودور العبادة وفريضتي الصوم والحج "خاصة" وفتح المقاهي والمطاعم في رمضان ومطاردة الإسلاميين وسجنهم وتصفيتهم واستئصالهم وتجفيف ينابيع البلاد.

إن علاقة نظام بورقيبة، ثم نظام خالعه المخلوع، باليسار عامة كانت ذات وجهين: وجه ظاهر يوهم بعداء متبادل ووجه باطن يؤكد العلاقة المصيرية الوطيدة بين الطرفين. والدليل، إضافة إلى المذكور، أن إفلاس تونس والبلاد العربية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي اقتصادا وتداينا وحقوق إنسان وسوء تصرف وفسادا وإفسادا ونهبا وصراعا على السلطة وسعيا إلى التوريث أخافت الغرب على مصالحه فقدم وصفة للأنظمة العربية تديم بقاءها وتجمل وجهها وتؤمن مصالحه، منها ربط الاقتصاد العربي المتداعي بالاقتصاد الغربي المزدهر مع ما يتطلبه ذلك من "إصلاحات هيكلية"، "شراكية"، "تحديثية"... مميتة للبلاد والعباد وإحداث تعددية سياسية ومدنية شكلية مسيرو أحزابها وجمعياتها ومنخرطوها منتقون من الأحزاب الحاكمة أو من الدائرين في فلكها وإغراق السوق بصحف الفضائح والدعارة والجنس وإعلان الحرب الاستئصالية على كل ما هو عربي إسلامي تنظيمات وأفرادا وقيما وثقافة وعبادة، والأهم من كل ما ذكر استيعاب و إشراك بقايا اليسار الماركسي في أجهزة الحكم المهمة، هذا اليسار الذي أصابه التفكك والانحلال نتيجة لسلوكه السياسي وتشرذمه ورفض المجال العربي لنظام فكره الغريب "حتى في مراكز حكمه التي انهارت دفعة واحدة".

إن إشراك اليسار الماركسي في السلطة لخطة جهنمية نسج خيوطها محترفو السياسة الغربيون ظاهرها تفتح الأنظمة على شعوبها ومعارضيها وباطنها دعم هذه الأنظمة "بحلفاء جدد" يجمعهم وإياهم الفشل السياسي والهيام بمظاهر الحضارة الغربية ومعادة كل ما هو عربي وإسلامي وعشق الحكم الفردي الاستبدادي، إن ما جمع بين الأنظمة الفاسدة واليسار قد أتى أكله سريعا باستفحال القمع المقنع بمؤسسات والملثم بحقوق الإنسان وتجفيف الينابيع بعصا الحداثة وثقافة العولمة ونشر ثقافة العري وتخريب الاقتصاد بفأس الشراكة والهيكلة والتأهيل والتهريب والنهب والخصخصة...

كان من المتوقع أن يستوعب اليسار التونسي الدرس من خلال فشل الأنظمة الاشتراكية والشيوعية والدائرة في فلكها اقتصاديا وسياسيا وحقوقيا ومحاولة محو الهويات فإذا به يزداد وفلول نظامي المخلوعين شراسة بعد ثورة شباب تونس التي كانت الهوية العربية الإسلامية والكرامة والحرية مرتكزاتها الأساسية فهل تجهز الخمسون سنة من الانبتات والمسخ والتشويه على تونس التي تغذت طيلة 14 قرنا برحيق الإسلام وإعجاز قرآنه ورجالات علمه وفلسفته وأدبه ولغته العربية السائدة مغربا، ومشرقا، وعقله العربي المسلم وتربته العبقة بأرواح الأجداد العظام؟.