الجمعة، 2 مارس 2012

أحمد منصور:السبسي كان يعلم بفوز النهضة فأغرق تونس بالديون ووضع رجال بورقيبة وبن علي في القمة




في شهر يونيو الفائت التقيت في العاصمة تونس رئيس الحكومة المؤقتة الباجي قايد السبسي، وهو أحد رجال الرئيس الراحل الحبيبب بورقيبة البارزين والمخضرمين، عمل معه في عدة وزارات منذ الستينيات من القرن الفائت أهمها وزارة الداخلية، وقد اعترف السبسي في لقائي معه بأن كل الانتخابات التي جرت في عهد بورقيبة وابن علي هي انتخابات مزورة، غير أن أهم ما قاله السبسي في مقابلتي معه هو أن المهمة الأساسية لحكومته هي وضع خطة الطريق، بل تحديد مسار الحكومة القادمة من بعده لخمس سنوات على الأقل، وهذا يعني أن السبسي والفريق المتعاون معه كان يدرك أن الشعب التونسي قرر التغيير، والتغيير يعني المجيء عبر الانتخابات بفريق جديد كانت التلميحات تشير إلى أنه سيكون من الإسلاميين، وتحديدًا من حركة النهضة التي شُرّد رجالها في أنحاء العالم، ومن بقي منهم سُجن داخل تونس، واستمر هذا الوضع ثلاثة عقود كاملة من العام 1981م وحتى العام 2011م؛ حيث أفرج عن المعتقلين منهم، وعاد المطاردون بعد نجاح الثورة التي اندلعت قبل عام من الآن وتحديدًا في السابع عشر من ديسمبر الفائت.

قضى الباجي قايد السبسي عشرة أشهر يضع القيود الاقتصادية والسياسية لمن سيأتي من بعده، وكانت النتيجة هي إغراق البلاد في مزيد من الديون، وتقييدها في مزيد من الاتفاقيات، أما العقبة الكبيرة التي وضعتها أمام الحكومة القادمة بعدما حققت حركة النهضة الفوز الكاسح في الانتخابات وكُلفت بتشكيل الحكومة هي قرار بزيادة رواتب كل موظفي الدولة- حوالي نصف مليون موظف- بزيادة تقدر ببليون دينار تونسي، في وقت تواجه فيه الموازنة والخزينة حالة صعبة للغاية، الأمر الثاني هو ترقية معظم موظفي الدولة حتى الضباط المتهمين بقتل الثوار تمت ترقيتهم، كما أجريت تغييرات هائلة في السلك الدبلوماسي للدولة بحيث يصعب على من يأتي وزيرًا للخارجية إجراء أي تغيير على اعتبار أن التغييرات التي أجريت هي حديثة، والعادة ألا يتم إجراء تغييرات للموظفين إلا كل أربع سنوات، كما أجريت تغييرات هائلة في إدارات الدولة المختلفة، ووضع رجال بورقيبة وابن علي في القمة؛ بحيث يصعب على من يأتي أن يدخل في متاهة الصراعات الإدارية في ظل أن الوزراء تقريبًا كلهم لم يسبق لهم العمل داخل دوائر الدولة، فهم إما كانوا في السجون أو مطاردين أو من المغضوب عليهم في ظلِّ نظام بن علي.

وقد أكد السبسي ما قام به حينما قال في كلمة له أمام مؤتمر "تبادل خبرات المرحلة الانتقالية" الذي عقد في العاصمة تونس في 13 ديسمبر الفائت حيث قال: "إن الحكومة التي سيعلن عن تشكيلها قريبًا ستجد تركة من التحديات في انتظارها"، وقد أكد على الجانب الاقتصادي المقيد بقوله: "حكومتنا أعدت برنامجًا اقتصاديًّا يقطع مع أية مرجعية إيديولوجية، ولهذا أعتقد أن المجموعة الوزارية الجديدة ستواصل تنفيذ هذا المخطط الذي أعدته شبكة من الخبراء التونسيين".