الاثنين، 24 أكتوبر 2011

انتخابات تونس وإعلان التحرير بليبيا: بشائر ربيع عربي دائم

مع مرور الوقت يتضح أكثر فأكثر أن الثورات العربية ليست فعلا عابرا معزولا، ولا ردات فعل احتجاجية يخبو بريقها في ظل واقع اجتماعي واقتصادي صعب، وإنما هي مؤشر على خيار استراتيجي مقاوم للاستبداد والفساد يعم المنطقة.

الثورة التونسية التي فتحت الطريق نحو الحلم بزمن عربي جديد، دخلت أمس مرحلة مفصلية في تاريخها يجعلها من الصعب أن تعود إلى الوراء، فقد فاجأ التونسيون المراقبين بإقبالهم الكبير على مراكز الاقتراع وانتظامهم في صفوف طويلة بشكل هادئ دون مواجهات ولا استفزازات.

وهي رسالة بليغة لكثير من الدوائر التي عملت، بكل الوسائل، على تقليص حجم المشاركة الشعبية في الانتخابات وأخافت الناس من "المجهول" الذي ينتظرهم، رسالة مفادها أن زمن الاستبداد انتهى وأن التونسيين الذين قدموا مئات الشهداء والجرحى وواجهوا بجرأة نادرة آلة القمع لن يتخلوا عن حقهم في بناء المستقبل الحر والديمقراطي.

كل الفزاعات التي استعملت لإخافة التونسيين ومنعهم من الاختيار الحر فشلت، لكن هذا لا يلغي مخاوفهم من الأخطاء والتجاوزات الناجمة عن الحماسة المبالغ فيها، أو عن تطرف في الشعارات الإيديولوجية قد يعطل الإصلاح الشامل..

وعزاؤهم، هنا، أن الديمقراطية لا تولد مكتملة، وأن الصراعات والمزايدات والمبالغات هي جزء لا غنى عنه لديمقراطية تبدأ من الصفر.

ومثلما أن الثورة التونسية بدأت تضع لبنات الاستقرار وبدأ الناس يجنون ثمراتها، فإن الثورة الليبية وفي نفس اليوم الذي جرت فيها انتخابات تونس حققت أهم مكاسبها وأصعبها، ونعني إعلان التحرير الكامل بعد مقتل القذافي وعدد من معاونيه.

إن إعلان التحرير يعني في صورة أشمل وأعم استعادة القرار الوطني من يد شخص تلاعب به يمينا ويسارا، وفتح الفرص أمام الليبيين ليكونوا شركاء مؤثرين في صياغة هذا القرار مستقبلا، ليس فقط من خلال المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تجري خلال الأشهر القادمة، وإنما من خلال جعل المواطن هدفا لكل المشاريع السياسية والاجتماعية والاقتصادية القادمة.

ومن المهم التأكيد هنا أن التحرير يعني في أحد جوانبه أن المعركة لا بد أن تتخلى عن وجها العسكري والنضالي الذي تطلبته فترة مقاومة الطاغية وتلبس وجها جديدا يقوم على الحوار والنقاش والاحتكام إلى المؤسسات التي سينتخبها الليبيون.

فالسلاح لا بد أن يعود إلى ثكناته والثوار الذين حرروا البلاد وأثبتوا وطنية عالية عليهم أن يعودوا مدنيين كما كانوا، ولْيواصل الطلبة دراستهم ولْيعد الموظفون والأطباء والعاملون في مختلف المؤسسات إلى مهنهم، ومن استهوته الحياة العسكرية يمكنه أن يلتحق طوعيا بالجيش الجديد أو قوات الأمن.

والنضال في ليبيا المستقبل لن يتوقف، بل البلاد تحتاج طاقات هائلة لإعادة إعمار ما خربه نظام العقيد وما تجاهله طوال أربعين سنة في قطاعات حساسة مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، ومن القطاعات التي بدأت تشهد حماسا ومنافسة بين الليبيين يمكن أن نشير إلى قطاع الإعلام، هذا القطاع الذي ظل طيلة أربعين عاما بلون واحد وصوت واحد.

فقد ظهرت نحو 200 مطبوعة مستقلة في ليبيا منذ انطلاق الثورة على نظام القذافي، وهناك إقبال كبير من الناس على شراء الصحف حتى يضمنوا ألا يفوتهم أي خبر ويقرأوا التحاليل المختلفة، وخلال الأشهر القادمة لا شك أن أعداد الفضائيات والإذاعات ستتزايد وتصبح ليبيا فضاء حقيقيا للحرية.

وقيمة الإعلام الحر أنه الضامن الأساسي لنجاح الثورة وعدم الانزلاق بها إلى مسارات مناقضة لقيمها وأهدافها، فالثورة الليبية انطلقت من أجل الحرية والديمقراطية وبناء الدولة المدنية، وحين يفكر حزب أو جهة في إعادة البلاد إلى الاستبداد مهما كانت الواجهة التي يتخفى وراءها، فإن إعلام ليبيا الحر سيقول له قف مكانك ويفضحه لدى الناس.

وفيما احتفلت الملايين بمقتل القذافي منذ أيام دون أن تطرح السؤال حوال الكيفية التي قُتل بها، فإن الإعلام الحر والنزيهة وهو يفرح مع الناس لمقتل الطاغية يلفت النظر دون شك إلى أن الطريقة كانت خاطئة ولا تتماشى مع قيم الثورة وعمقها الإنساني، بل يسيء إليها.

وبانتظار أن تبدأ ليبيا الثائرة في الاستعداد للتحول إلى دولة مدنية تحتكم إلى دولة القانون والمؤسسات، ينظر العرب بتفاؤل كبير إلى الثورة المصرية حتى تستكمل شروط نجاحها عبر بناء المؤسسات، والآمال معلقة على الثورتين اليمنية والسورية في تتويج الحلم العربي ببناء تجارب حكم تحترم الإنسان.

*افتتاحية صحيفة العرب اللندنية ليوم 24/10/2011