الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

التونسيون في الخارج يصوتون غداً في انتخابات المجلس التأسيسي

أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كمال الجندوبي، أن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس، تنطلق في الخارج غدا الخميس، لتتواصل على امتداد 3 أيام مشيرا إلى أن أول تونسي سيقوم بالتصويت للمجلس الوطني التأسيسي، سيكون في أستراليا وذلك نظرا لفارق التوقيت.

وقال الجندوبي إن الانتخابات التي ستجرى يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول "ستكون آمنة وأن المطلوب من كل التونسيات والتونسيين التوجه بكثرة إلى مكاتب الاقتراع". وأضاف في لقاء صحفي أن "هناك حالة تعبئة عامة من قبل الهيئة والإدارة والجيش الوطني لإنجاح العملية الانتخابية".

لا للتشويش على الانتخابات

هناك شبه "إجماع" من الفاعلين الرئيسيين في المشهد السياسي، على ضرورة "ترحيل " كل القضايا الخلافية، الى ما بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، المقررة ليوم 23 أكتوبر القادم. وبالتالي إعطاء الأولوية المطلقة إلى توفير المناخ المناسب لإجراء الانتخابات. بوصفها "الوصفة السحرية" التي حصل حولها توافق للخروج من "أزمة الشرعية" التي تردت لها البلاد بعد ثورة 14 يناير.

وللتدليل على مدي أهمية هذا "الاستحقاق"، أشار الوزير الأول الباجي قائد السبسي الى "أن فشل الانتخابات يعني فشل الحكومة بل فشل الثورة".

وضعت الأحزاب وراء ظهرها الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تعيشه البلاد، وهذا ما يفسر دخولها في حملة انتخابية مبكرة وبتقنيات دعائية لم يعهدها التونسيون في السابق، وما رافق ذلك من إثارة لخطورة الإشهار السياسي، وتحول الأحزاب من أطر للنضال السياسي والفكري، الى شركات يهيمن على أدائها وبرامجها رجال الأعمال.

ولم تحد كل التشكيلات السياسية عن هذا النهج "الجديد" في التعريف ببرامجها، وتستوي في ذلك التنظيمات الحزبية اليمينية واليسارية والإسلامية والعلمانية. وبهذا اختارت العمل بالمثل القائل: "الغاية تبرر الوسيلة". وهو اختيار فيه الكثير من المخاطرة، التي برزت ملامحها الأولى من خلال اتساع الفجوة أو الثقة بين "الأحزاب" و"الجماهير"، ترجم من خلال عدم الإقبال على التسجيل الإرادي في القوائم الانتخابية. ما يؤشر إلى مقاطعة محتملة للممارسة الانتخابية، أو "التصويت العقابي" لغير الأحزاب. كما نبه الى ذلك الشيخ عبد الفتاح مورو زعيم "الائتلاف المستقل الديمقراطي" وأحد رموز التيار الإسلامي.

انتقال سياسي بلا أحزاب

"أداء" الأحزاب بعد الثورة عمق من عزلتها، وبين محدوديتها في التواصل مع الجماهير التي أنجزت الثورة، حيث تميزت تحركاتها "بالنخبوية" بالنسبة للأحزاب التي تقدم نفسها على أنها تقدمية أو حداثية، وبالبعد "الاستعراضي" وبخطاب عاطفي "ما ورائي" لدى الإسلاميين.

وفي مقابلة مع "العربية.نت" قال مهدى مبروك أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة التونسية "إن ظاهرة "تعويم" الساحة بالأحزاب التي تجاوز عددها المائة حزب، كان له الواقع السلبي على صورة ودور الحزب في التغيير السياسي، خصوصا وأن هذا الرأي يرجع أيضا الى المشاركة الضعيفة للأحزاب في الثورة، التي فوجئت بقدرة الإرادة الشعبية على تجاوز مركب الخوف، والاستمرار في تصعيد التحركات، ورفع سقف المطالب الى حد رفع شعار "الشعب يريد إسقاط النظام".

وأوضح مبروك "بعد تسعة أشهر من الثورة، وقبل أقل من خمسة أيام من انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، تتواصل حالة أزمة الثقة، وبعد أن كانت في السابق بين الحاكم والمحكوم، فإنها اتسعت لتشمل العلاقة بين الجماهير والأحزاب وقطاع واسع من النخبة".

وبينت بحوث ميدانية أنجزها منتدى العلوم الاجتماعية، الذي يشرف عليه الباحث في علم الاجتماع عبد الوهاب حفيظ أن هناك "تراجعا عاما لرصيد الثقة وبشكل ينذر بالخطر أحيانا"، و"ارتفاع عدد العاطلين بين الشباب وتزايد الإحباط والشعور بالخذلان" و"بدت الأحزاب مرتبكة بلا برامج وفاقدة للزعامات والقيادات المؤثرة جماهيريا وشعبيا".

جدل حول الثورة

وهو ما أكدته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، إذ أشارت الى أنه "في تونس، كما في مصر، تتحطم آمال الشعب الذي اصطدم تفاؤله بالواقع السيء. فما إن انتهت الثورة حتي خابت توقعات هؤلاء بالتغيير والتطوير، ورأوا بدلا من ذلك أن ظروفهم المعيشية تتجه نحو الأسوأ". وبرز تساؤل حول هل أن ما حصل "ثورة" أم مجرد حركة "إصلاحية".

وكان لهذا المناخ العام، المتسم بتنامي "أزمة الثقة" التأثير السلبي على الدعوة للتسجيل في القوائم الانتخابية، حيث بلغ العدد النهائي للمسجلين إراديا في القائمات الانتخابية للمجلس الوطني التأسيسي، المزمع تنظيمها يوم الأحد 23 أكتوبر القادم، ثلاثة ملايين و882 ألفا و27 مواطنا وفقا لإحصائيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من مجموع 7 ملايين ناخب مفترض. ويرى العديد من المتابعين والمختصين في العلوم السياسية أن نسبة التسجيل الضعيفة وما قد يصاحبها من مقاطعة يوم الانتخاب، من شأنها أن تجعل انتخابات المجلس التأسيسي "لا معنى لها" من الناحية الديمقراطية، وأنها قد لا تعبر عن إرادة الشعب. وبالتالي سنكون أمام خيار البحث عن "بدائل" أخرى.

وفي تصريح لـ"العربية.نت" قال أستاذ علم النفس الاجتماعي رضا بوكراع "أنه برغم تواصل أزمة الثقة، فإن الانتخابات ستعتبر مشاركة هامة لأن الجميع في تونس يريدون وضع حد للفترة الوقتية، ويتطلعون الى عودة الشرعية للمؤسسات، وهذا ما سيكون بمثابة الحافز للمشاركة في العملية الانتخابية".

وهناك خوف من نتائج العملية الانتخابية، بسبب تشتت الأصوات نظرا لكثرة القائمات المشاركة، ما من شأنه أن يجعل المجلس القادم ذا تركيبة فسيفسائية يصعب معها حصول التوافق، أولا تعبر النتائج عن إرادة الشعب- وفي علاقة بأهمية المرحلة القادمة - بسبب الإقبال الضعيف على التسجيل والذي قد يعاد يوم الاقتراع، بالتالي توقع حصول مشاركة، ولعل هذه الاعتبارات مجتمعة تفسر كون الباجي قائد السبسي ترك الباب مفتوحا "لاحتمال بقاء حكومته بعد 23 أكتوبر" برغم تشديده في أكثر من مناسبة على ضرورة التمسك بإنجاز الانتخابات وقبول نتائج الصندوق.