الاثنين، 16 يوليو 2012

مؤتمر النهضة: اليوم «.....» وغدا أمر.


نذكر جميعًا، بل تقشعّر الأبدان منّا عندما نستذكر أغنية الرائعة فيروز عن القدس الشريف، خصوصا حين تعلن في لهجة الجزم والقرار:«الآن الآن وليس غداً أجراس العودة فلتقرع»... حينها نختصر الوعي الجماعي في لحظة القرع ويصير الهمّ محصورًا في هذه «العودة» التي عزفت على أوتارها جميع الأنظمة ولعب بها وتلاعب السياسيون من كلّ الأطياف...
يثبت بالدليل المادّي الكاشف أنّ العقل العربي، يحصر الاهتمام حين «الغريزة» في «لحظة» الوجود، ويقتصر النظر عنده في «المحيط المباشر»، في تغييب خطري أو هو «مرضي» للزمن في بعده الاستراتيجي وللمعرفة في بعدها التراكمي...
يبدو هذا الأمر جليا من خلال مؤتمر النهضة التاسع الذي ينعقد في تونس، أنّها لم تتجاوز النظرة التحليليّة للماضي والاستشرافيّة للمستقبل «علم الكلام» ومنطوق القول عند المنصّة وما يلزم لها ويستند إليها من «جميل القول» وما تستدعيه السياسة وتستوجبه من مجاملة...
انحصر الهمّ والجدل الظاهر منه والخفيّ، في مقارعة نرى غبارها جليّا بين لطفي زيتون وخصومه، وبين ما جاء من الحبيب خذر من «تدوير للمسألة» دون نفي مباشر، لنسأل عن مصير «الحركة» و«مستقبل» البلاد، ليس فقط في علاقة بحركة النهضة وترتيباتها الداخليّة، بل ـ وهذا الأخطر ـ على اعتبار أنّ هذا التنظيم، هو الأكبر والأهمّ (راهنًا) ومن الأكيد، وبكلّ المقاييس، تتأثر البلاد (الواقع والمصير) بأيّ تحوّل تشهده النهضة.
لم نشهد نقاشات أو ورش عمل سواء عن طبيعة «الفعل السياسي»، بل نقول ونؤكّد «العقل السياسي» للحركة، حين لم يعد الهاجس مقاومة قمع السلطة «السابقة» أو نفي وتفنيد «تهمة الإرهاب».
نعترف أنّ قيادات النهضة تولي المسألة أهميّة قصوى على مستوى الخطاب السياسي، لكنّ المصيبة تكمن في انحصار المسألة في هذا «الخطاب السياسي» بل نكاد نقول أن البقاء عند «المنطوق السياسي»، أمر على قدر كبير من الخطورة....
حين ننظر إلى آداء النهضة منذ نتائج الانتخابات ووصولها إلى السلطة، على اعتبارها الحزب الأقوى والشريك الأكبر في الائتلاف الحكومي، نرى حزبا «معارضًا»، حزبا لا يزال يرى في نفسه «ضحيّة الإعلام» ويتعامل من منطلق «ساذج وأخلاقي سطحي» مع معارضيه، لنتأكّد أن «العقل السياسي» لدى النهضة لم يغادر فترة «القمع»، حين كان يحلم بجمهوريّة «أفلاطون» بل بالجنّة على الأرض وبملائكة يعيشون فوقها...
حسب ما بلغنا من أخبار، لم تتجاوز القراءات العميقة والاستشرافات الاستراتيجية منطوق اللسان، وما جاء ضمن التقرير الأدبي من تعبير إنشائي، لنطرح سؤالا في بعده المعرفي المباشر: «كيف ترى حركة النهضة أصول ممارسة السلطة في علاقة بمرجعيتها «الإسلاميّة» أوّلا، وفي علاقة ببقية الطيف الإسلامي في تونس ثانيا، وفي علاقة بمجمل الواقع السياسي في تونس ثالثا، وفي علاقة بالمحيط المباشر رابعا، وفي علاقة بالعمقين العربي والإسلامي وتقاطعتهما الخطير مع واقع الداخل خامسًا، وفي علاقة بالواقع الدولي الذي ينظر بعين حذرة وقلب متوجّس إلى تجارب هذه الحركات الإسلامية التي ذهبت في الطمأنة والترضية أكثر من الأنظمة العميلة السابقة...»
هذه أسئلة نرى ترديدًا لها دون الطرح، وأيضا ـ وهنا الخطورة الأخرى ـ نرى أنّ هاجس «السيطرة» الآنيّة على دواليب النظام صار أهمّ من بناء دولة جديدة تقطع مع الماضي، بل رأينا من النهضة ـ في حالات عديدة ـ تماهيا خطيرًا ومقلقا مع النظام السابق وأساليب التجمع في الهيمنة على مفاصل المجتمع...
ربّما (ونقول في إصرار ربّما) تكون النوايا طيّبة والغايات نبيلة، لكنّ عجز البشر على قراءة النوايا، ووقوفنا أمام السياسة على أنّها «التأويل الواقع» وليس «مساءلة النوايا»، يدفعنا إلى طرح السؤال على المؤتمرين جميعًا:
«إضافة إلى ماضيكم الذي نعلم ونقرّ أنه كان من الألم أكثر ممّا نتخيّل، وفوق هذه «الشرعيّة الانتخابيّة» التي تستلّونها كمثل سيف عنترة العبسي على أعدائه، أيّ مشروع فعلي تطرحون على البلاد والعباد، وبأيّ رجال ونساء ستقودون المرحلة القادمة، وأنتم من أقصى «ذوي القربى» وقرّب «الكفّار» [أيّ التجمّع] وجعلهم سادة على العالمين؟؟؟؟؟»
تسقطنا النهضة ونسقط معها في خضم هذا المؤتمر إلى التفاصيل ومعارك أهلها (المشروعة) من أجل «الكراسي»، لكنّها نراها أقرب إلى ذلك «الكِندي» الذي جاءه خبر مقتل والده فأنشد: «اليوم «.....» وغدا أمر.»...
نترك لكل عضو في النهضة ملء الفراغ بما يطيب له من الشراب...

بقلم: نصر الدين بن حديد