الخميس، 19 يوليو 2012

حرب بيانات إعلامية بين الحكومة التونسية وهيئة إصلاح الإعلام


عرفت الساحة التونسية في الأيام القليلة الماضية ما يشبه «حرب» بيانات إعلامية، كان طرفاها هذه المرة الحكومة والرئيس السابق، لما كان يعرف بـ«الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال»، كمال العبيدي.
وأثارت هذه البيانات شجون الإعلام في تونس، الذي يحتاج وفق الكثير من المراقبين إلى إعادة تأهيل.
وكان إعلان كمال العبيدي حل الهيئة التي كان يترأسها خبرا متوقعا، وذلك لسيطرة نظرة «كوليانية للإعلام» في الدولة تختزل في مقولة فلاديمير لينين «الإعلام كالتعليم لا يجب أن يكون محايدا» وهي قراءة تعود للنصف الأول من القرن الماضي، ولا تصلح أن تكون معيارا في الألفية الثالثة.
وقال الإعلامي توفيق الجربي لـ«الشرق الأوسط»: «البيان الصادر عن كمال العبيدي، دعا للنفير من أجل الدفاع عن حق المواطن التونسي في إعلام حر ومستقل وملتزم بالمعايير المهنية والأخلاقية، ولكن الحكومة تتهمه بخرق هذه القيم نفسها».
وتابع: «بعض وسائل الإعلام زادت جملا على بيان العبيدي، يفهم منها أن الأوضاع في زمن الرئيس السابق بن علي كانت أفضل، من أجل حماية هذا الحق الذي أصبح مهددا أكثر من أي وقت مضى منذ إزاحة الرئيس السابق».
وأعرب الجربي عن قلقه من انزعاج أطراف تحسب على الإعلام من التعددية الإعلامية ،هذا ما بدا واضحا أيضا من بيان العبيدي الذي اعتبر التعدد استباحة، وأن هذا الرفض أفرز فراغا قانونيا أفسح المجال لاستباحة المشهد السمعي البصري التونسي من أطراف غير مستعدة للالتزام بالقانون، وبكراسات شروط ملائمة لما هو معمول به في الدول الديمقراطية.
كمال العبيدي انتقد أيضا تسمية مديرين عامين للمؤسسات العمومية للاتصال السمعي والبصري، ومنها التسميات التي تمت بداية الشهر الحالي، دون تشاور مع الجهات والهياكل المهنية والنقابية المعنية.
أما الحكومة فقد اعتبرت إعلان الرئيس السابق للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، كمال العبيدي مفاجأة. وقال رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر إنه «سيتم بعث هيئة مستقلة للإشراف على المجال السمعي البصري، إضافة إلى هيئة مستقلة تشرف على القضاء في موعد أقصاه 26 أغسطس (آب) المقبل».

وجاء في بيان رئاسة الوزراء أن العبيدي «حل الهيئة دون سابق تشاور أو إعلام للجهات المعنية في سلطة الإشراف التي قامت ببعث هذه الهيئة، وتعيين المسؤول الأول عنها وضمان استقلاليتها وتسهيل أعمالها». كما لاحظت في بيان موجه لوسائل الإعلام والرأي العام أن المسؤول السابق اتهم الحكومة اتهاما باطلا بالرقابة والتضييق على أعمالها، والحق أنه كان يشرف على هيئة عليا تعاملت معها الحكومة بكل جدية واحترام في سياق الجهد الوطني لتحقيق مسار الانتقال الديمقراطي.
وأضاف البيان أن هذا الوضع جعل المشهد الإعلامي أحاديا ذا رأي واحد أشبه ما يكون بالمشهد الإعلامي في ظل الديكتاتورية، ولكن في اتجاه معاداة الحكومة المنتخبة ديمقراطيا.
وقالت رئاسة الحكومة في البيان: «إن ما يزيد الطين بلة أن تلعب الهيئات التي يناط بعهدتها مهمة الدفاع عن حرية الإعلام وتنوع المشهد الإعلامي دور المدافع المستميت عن أحادية المشهد الإعلامي متجاوزة في ذلك الحدود الوطنية إلى محاولة تكميم المؤسسات الإعلامية التي دفعتها سياسات الهيئة العليا المنحازة إلى البث من خارج البلاد بعد حرمانها بغير وجه حق من الترخيص».
وندد البيان باستضافة رموز النظام السابق، الأمر الذي أثار استياء واسعا، واعتبر انخراطا من قبل الإعلام العمومي في حركة الثورة المضادة، وانقلابا كاملا على أهداف الثورة وتلميعا للوجوه «التجمعية» ومحاولة لإعادة تسويقهم، وهو ما لا يقبله شرف الثورة ودماء شهدائها الزكية.

ورفض البيان أن تتحول خطوة حل الهيئة إلى مصدر لإيقاف مسارات إصلاح الإعلام بما في ذلك النظر في المرسومين 115 و116 المنظمين للقطاع، وذريعة للتستر على الفاسدين بعد الامتناع عن إصدار القائمة السوداء للإعلاميين الذين تورطوا مع الديكتاتورية. إن ذلك ما تأباه الثورة ويلفظه مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد. وأعربت رئاسة الحكومة عن اقتناعها بوصفها حكومة شرعية بأن الصحافة يجب أن تكون في منأى عن تدخل الحكومة. كما يجب أن توفر لها القوة المالية التي تجعلها في مأمن من الابتزاز والتوظيف.
وشددت على أنه من واجب الإعلام أن ينأى بنفسه عن خدمة المصالح الفئوية والعرقية ومراكز القوى السياسية والمالية وألا يخشاها أو يجاملها على حساب الحقيقة.
وأكد البيان على أن الموقف المبدئي للحكومة هو الوقوف ضد أي عودة للديكتاتورية ولن يتزحزح اليوم بممارسة السلطة، وأن الحكومة لا تخشى النقد، ولا المراقبة اللصيقة من قبل الإعلام الحر المسؤول، وأن الحكومة ستحيل مشاريع قوانين تتعلق بالإعلام إلى المجلس الوطني التأسيسي بعد استكمال الاستشارة الوطنية، وذلك بالتعاون مع كل الفاعلين الإعلاميين.
وأشار البيان إلى سعي الحكومة للعمل مع المجلس التأسيسي لإصدار قوانين تضمن العدل والشفافية والنجاعة في توزيع الإعلانات العمومية على الصحف، وكذلك سعيها لتوفير المعدات والموارد اللازمة ليقوم الإعلام العمومي السمعي البصري بوظيفته في خدمة الوطن.
ويقول كثيرون إن جانبا من الإعلام في تونس لم ينشأ في جو ديمقراطي يحترم الضوابط الإعلامية المهنية ومقوماتها المتمثلة في الاستقلالية والحيادية والموضوعية، بمعنى عدم الانحياز وتجنب المديح والذم الإعلامي على حد سواء. وإنما نشأ في جو موبوء، يتبنى وجهة نظر أحادية تكرس المديح والهجاء بما يخدم تلك النظرة المجتزئة للحقيقة.. حتى إذا سقط ذلك البناء الهرم بعد الثورة، وذهب من كانت تضاء له الشموع، ويحرق له البخور، لم يبق في جعبة أولئك المهرجين سوى الهجاء الذين كانوا يوجهونه للحكومة التي كانت في المعارضة زمن الدكتاتورية.