الأحد، 30 ديسمبر 2012

تونس .. حريات لا عودة عنها ولكن!


قد لا يختلف اثنان في تونس ما بعد الثورة على ان الحق الوحيد الذي افتك عنوة ولم يعد لأي طرف في البلاد التراجع او العودة به إلى الوراء هو حق حرية الرأي والتعبير ، بل أن الحديث بين الساسة والإعلاميين اصبح الان يدور حول الجرعة الزائدة من الحرية وغياب المسئولية فيها والتشريعات الضامنة لها.

هذه الحرية التي ولدت من رحم الثورة ظلت تفتقد الى تشريعات وإجراءات تحميها وتوجهها، حيث لا تزال العديد من القوانين المقيدة لحرية الصحافة التي كانت سائدة في عهد الرئيس السابق بن علي رسميا هي المعتمدة ، وقد تم استعمال هذه القوانين في العديد من المرات لإيقاف أو تغريم أو التضييق على العديد من وسائل الاعلام والإعلاميين.
قضايا
عام 2012 سجلت فيه العديد من المحاكمات بحق وسائل اعلام وإعلاميين وطبقت اجراءات قضائية اخر هذه القضايا ما يتم حاليا بحق سامي الفهري مدير شركة كاكتوس وقناة التونسية من بطاقة ايداع بالسجن على خلفية ما عرف قضية التجاوزات المالية على أملاك التلفزة التونسية والتي توجهت له فيها اتهامات بالفساد واستغلال النفوذ بمعية مديرين عامين سابقين للتلفزة والرئيس المخلوع زين العابدين بن على وصهره بلحسن الطرابلسي ومن المنتظر ان يشهد عام 2013 مسرحا لمحاكمة العديد من رموز الفساد في القطاع الاعلامي.
كما اصدرت هذا الاسبوع رئاسة الحكومة مرسوما يقضي بحل الوكالة التونسية للاتصال الخارجي التي كانت تهتم بمنح التراخيص للإعلام الخارجي قصد التصوير في تونس، وتم حل الوكالة للتهم الموجهة لها بارتباطها بملفات الفساد المالي وتلميع صورة نظام بن علي .
كما دخل عدد من صحافيي دار الصباح على امتداد اكثر من شهر ابتداء من 28 سبتمبر في إضراب جوع مفتوح مطالبين بتراجع الحكومة عن التعيينات وتمكين أبناء الدار من مستحقاتهم المالية.
كما قضت محكمة تونسية في مايو 2012 على مدير قناة نسمة نبيل القروي بعد رفع مجموعة من المحامين قضية بحقه بغرامة مالية على خلفية عرض فيلم "بيرسيبوليس" الذي عدّ مجسدا للذات الإلهية والنيل من القيم المقدسة للشعب التونسي.
وتعرضت الوكالة التونسية للإنترنت لضغوط من محامين لإيقاف المواقع الاباحية وأغلقت بعض الصفحات الفايسبوك بتهم زعزعة استقرار المؤسسة العسكرية .
وتم في 15 فبراير 2012 ايقاف مدير جريدة التونسية نصر الدين بن سعيدة بتهمة المساس بالأخلاق الحميدة ونشره صورة امرأة عارية ليقع تتبعه وفق المادة 121 من القانون الجزائي التونسي الذي يحجر بيع وترويج النشرات والكتابات التي من شأنها النيل من الأخلاق الحميدة.
كما رفعت قضية ضد مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية لإلزامهما بحجب نعت رئيسي الدولة والحكومة بالمؤقت استنادا على أحكام القانون عدد 6 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية الذي لم ينص على استعمال كلمة “المؤقت” في حالة انتخاب رئيس للجمهورية بصفة شرعية غير ان المحكمة رفضت الدعوى وأقرت وصف الأجهزة التنفيذية بالمؤقتة.
ورفعت قضية ضد ثلاثة مدونين على الفايسبوك في 25 يناير 2012 بتهمة القذف والسبّ والتّشهير.
تباين
كما ان المجلس الوطني التأسيسي والحكومة والهياكل النقابية والمهنية في قطاع الاعلام لم تنجح على امتداد سنة 2012 الى الوصول الى اتفاق يفعل بموجبه المرسوم 115 و 116 المنظمان لعمل القطاع وإحداث هيئة عليا تشرف على قطاع الاعلام وإيقاف التعيينات الحكومية على المؤسسات الاعلامية العامة مما ادى الى حالة من التوتر ادت بدورها الى حالة من الاضرابات في القطاع.

الإضراب العام
لعل اهم ما شهدته تونس في سنة 2012 في مجال الاعلام هو الاضراب العام في 17 من اكتوبر/تشرين ونجح بشهادة اغلب المراقبين ، وبحسب نقابة الصحافيين الداعية للإضراب في تونس فان نسبة المشاركة كانت عالية جدا تجاوزت 90%، وتركزت مطالب الصحافيين في اضرابهم على التشبث بالحقوق الاساسية للصحفيين من حرية رأي والتعبير وحق تدفق ونفاذ المعلومة وتحسين وضعية الصحفيين المادية والمعنوية ورفض التعيينات الحكومية على رأس المؤسسات الاعلامية العمومية غير ان صحافيين معارضين يعتبرون الاضراب سياسي بالدرجة الاولى وجاء لخدمة اطراف سياسية معينة.
تسيب
لعل ما يميز حرية الاعلام بعد الثورة وخاصة في سنة 2012 مع غياب التشريعات المنظمة للقطاع هو حالة تسيب وعدم مسئولية جعلت تونس تتحول من دولة الرأي الواحد الى حالة من السباب والشتائم والتخوين وكثرة القنوات والاذاعات والصحف التي تفتقد الى المهنية والحرفية والحياد.
وأصبح القطاع يعيش فوضى اعلامية غير منضبطة لقانون أو دستور، غابت عنها المعايير الاعلامية والمهنية وبرز صراع الايديولوجيات، وهو ما دعا بالحكومة بان تطالب بالتزام المهنية والمساواة وعدم الانحياز الإعلامي لأي جهة في مقابل مطالبة العديد من مكونات المجتمع المدني الحكومة برفع يدها عن الاعلام .
مطالب اصلاح
وقد أوصى تقرير صدر في يوليو من 2012 عن الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير في تونس أنه على الحكومة التونسية أن تقوم بافرار وتنفيذ الاصلاحات القانونية والضمانات الدستورية التي تصون حرية التعبير والرأي بما في ذلك ضمان حرية التعبير واستقلالية وسائل الإعلام وحق الوصول إلى المعلومة، وتضمين هذه المبادئ في الدستور، اضافة الى تفكيك شبكة الرقابة التي تشكلت في عهد النظام السابق ولا تزال سائدة.

إذاعة هولندا العالمية