الثلاثاء، 29 مايو 2012

المعارضة التونسية تطالب بحكومة انقاذ وطني لاتعتمد المحاصصة الحزبية

تونس - دعت الأمينة العامة للحزب الجمهوري مية الجريبي إلى "تشكيل حكومة إنقاذ وطني" تكون تركيبتها "محدودة العدد" و"لا تعتمد في توزيع الحقائب الوزارية على قاعدة المحاصصة الحزبية بل على الكفاءات الوطنية.
وشددت خلال مؤتمر صحفي نظمه الحزب الاثنين بمقره بتونس العاصمة على أن "الحكومة الحالية أثبتت عجزها وعدم قدرتها على تسيير شؤون البلاد" .
ويضم الحزب الجمهوري الذي يقوده الحزب الديمقراطي التقدمي بزعامة المعارض أحمد نجيب الشابي عددا من أحزاب الوسط والقوى الديمقراطية.
ودعت الجريبي الحكومة إلى "التحلي بالشجاعة والروح الوطنية للإقرار بفشلها وعجزها عن رفع التحديات المطروحة والعمل على أساس قاعدة التوافق الوطني خدمة للمصلحة العامة للبلاد".
وقالت إن "الأوضاع في البلاد تردت على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية"
وتصاعدت خلال الفترة الأخيرة موجة الاحتجاجات في مختلف جهات البلاد ما حدا بالسلطات إلى استعمال القوة لتفريق متظاهرين مطالبين بالحق في الشغل وحرية الرأي والتعبير وكذلك من أجل وضع حد لتنامي خطر السلفيين الذين يمارسون العنف السياسي والديني على المواطنين في ظل صمت مطبق للحكومة.
وتابعت الجريبي إن" أغلب تقارير المحللين الاقتصاديين تجمع على تراجع مناخ الاستثمار وغياب ثقة المستثمرين في البرنامج الحكومي" ملاحظة أن "تراجع التصنيف الائتماني لتونس بدرجتين يؤكد حقيقة تدهور الوضع الاقتصادي".
وكانت الوكالة العالمية في الترقيم "ستندار وبورس" خفّضت الترقيم السيادي لتونس بدرجتين لصبح ضمن خانة الدول ذات الاقتراض القابل للمضاربات.
وقد أثار تخفيض الترقيم السيادي لتونس إحباطا لدى الفاعلين السياسيين والاقتصاديين الذين شددوا على أن "التصنيف يمكّن السوق المالية العالمية من عقاب تونس عن طريق سعر الفائدة ومدة القرض" وفق رأي الخبير منصور معلى.
وحذر الخبير الاقتصادي فيصل دربال من "هشاشة الوضع الاقتصادي نظرا لارتفاع نسبة التضخم في تونس إلى 5 فاصل 7 بالمائة نتيجة ارتفاع المواد الغذائية بنسبة 8 بالمائة إضافة إلى عجز ميزان الدفوعات بسبب تراجع الصادرات مقابل ارتفاع الواردات.
وأعلنت الجريبي أن "الحزب الجمهوري سيدعو كل الأطراف السياسية لتوسيع الحوار والنقاش حول حكومة الإنقاذ المنشودة التي ستتولى تنفيذ برنامج الإنقاذ الوطني وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد وتؤمن نجاح عملية الانتقال الديمقراطي.
من جهته دعا زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي أحمد نجيب الشابي أيضا إلى "تشكيل حكومة إنقاذ وطني" مشددا على أن تونس تعيش "أزمة سياسية وإقتصادية وغجتماعية حقيقية" نتيجة "أزمة ثقة" ما انفكت تعزز تجاه حكومة الائتلاف الثلاثي الذي تقوده حركة النهضة الإسلامية.
ووصف الشابي الوضع الذي تمر به تونس بـ " الدقيق" ملاحظا أن هناك "عودة لموجة احتجاجيّة تتغذى أساسا من الأوضاع الاجتماعية المتردية ومن التجاذب السياسي".
وأشار إلى أن ما يبعث على القلق فعلا هو "غياب رؤية وخارطة طريق حكومية " واضحة من شأنها أن تستجيب لتطلعات التونسيين.
ويقول مراقبون إن الطبقة السياسية تعيش اليوم "جدلا حول أداء الحكومة وقدرتها على إدارة الشأن العام والاستجابة لمطالب المواطنين" ويرون أن "أطرافا عديدة داخل الائتلاف الثلاثي الذي تقوده النهضة أصبحت تقرّ بضعف أداء الحكومة كما تقر بضرورة البحث عن حلول سياسية من قبيل توسيع الحكومة".
وبالفعل فقد شن ثلاثة مستشارين للرئيس منصف المرزوقي هجوما شديد اللهجة على الحكومة وحملوها مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية مشددين على فشلها في تقديم الحلول الناجعة للمشاكل التي تتخبط فيها البلاد.
بل إن الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية عدنان منصر طالب رئيس الحكومة حمادي الجبالي بـ "حل الحكومة لأنها عاجزة وبرهنت على خيبتها وتشكيل حكومة ضيقة وإعفاء عدد من الوزراء الذين لم يثبتوا جدارة خاصة".
وتتهم المعارضة حركة النهضة الإسلامية بالتخطيط لـ "إفراغ الحياة السياسية من أي مزاحمة" لأي طرف كان من أجل البقاء في السلطة لمدة "خمس أو عشر سنوات".
وبرأي محللين فإن حركة النهضة وضعت نفسها "على هامش الحياة الاجتماعية" والأهم من ذلك هو أنها "لا تملك رؤية واضحة لإدارة الشأن العام وفق خصوصيات المرحلة الدقيقة التي تمر بها تونس التي استفحلت فيها حالات "الاحتقان الاجتماعي" و"الإحباط" و"التوتر" و"عدم الاستقرار".
ويضيفون أن النهضة كان بإمكانها أن تستفيد مما منحته الثورة من فرص نظرا لما تتوفر عليه من مال سياسي وكذلك من نشطاء لكنها فضلت أن تستفرد بالحكم لذلك "لم تهتد إلى الحلول التي تطالب بها قطاعات واسعة من المجتمع التونسي" مشيرا إلى أن النهضة "تقدم العوامل الإيديولوجية والأهداف الحزبية على ما هو أهم" أي المشاغل اليومية للتونسيين من بطالة وفقر.
وفيما تتواصل حركات احتجاج المواطنين في مختلف أنحاء البلاد لا يتردد الفاعلون السياسيون والاجتماعيون وفي مقدمتهم أحزاب المعارضة والإتحاد العام التونسي للشغل في توجيه انتقادات لاذعة لحكومة حمادي الجبالي التي يرون "أنها عجزت على تقديم الحلول العاجلة لمشاكل الفئات المحرومة وفي مقدمتهم العاطلين الذين ناهز عددهم 800 عاطل وكذلك توفير مقومات العيش الكريم لأبناء الجهات الداخلي والأحياء الشعبية التي تمثل أحزمة حول المدن.
وتشدد القوى الديمقراطية على أن "تونس اليوم في أمس الحاجة اليوم قبل كل شيء إلى "صياغة برنامج إنقاذ وطني يستجيب لمطالب التونسيين ويحدث هزّة تعيد الثقة إلى المستثمرين والأمل إلى الشباب العاطل" مطالبا الحكومــــة بـ "برنامج يترّكز على تحقيق التنمية الجهوية والمحلية حالا لأنّ التشغيل جزء منها وهذا يقتضي رصد الأموال الضروريّة وإحداث الآليات الملائمة."
وتقول أحزاب المعارضة إن ما عمق أزمة الثقة في حكومة النهضة هي "التعيينات الأخيرة في سلك المحافظين وكذلك إقالة المسؤولين الإداريين في العديد من القطاعات" ملاحظين أن "هذه الإقالات وهذه التعيينات لا تستند على مقاييس شفافة وإنّما تقوم على رغبة السيطرة على جهاز الدولة وإعادة التداخل بين أجهزة الحزب الحاكم والدولة إذ أنّ جل التعيينات تمت على أساس الولاء السياسي وهذا يعدّ في حدّ ذاته ضربا لأحد أهم مكتسبات الثورة والمتمثل في استقلال وحياد الإدارة وهو تهديد للحرية لأنّ حياد الإدارة من أكثر ضامنيها".
وكانت الحكومة أجرت تعيينات وتسميات في مراكز قرار هامة مثل المحافظين رأى فيها المراقبون أنها لم تتم على أساس الكفاءة وإنما تمت على أساس "الولاء للنهضة".
وتحذر التيارات اليسارية والعلمانية من تنامي سطوة السلفيين مؤكدة أنهم "يمثلون اليوم تهديدا لحريات المواطنين ومكتسباتهم العصريّة وقد تجلّى هذا التهديد في شكل اعتداء بالعنف على الإعلاميين والكتاب والمسرحيين وغيرهم كما تجلّى من خلال الاعتداء على العلم الوطني إضافة إلى أحداث العنف في عدة مدن مثل سليانة وجندوبة وسوسة ومدنين".