الخميس، 13 سبتمبر 2012

فوضى التعيينات

أستحضر نصّا بديعا قرأته منذ سنوات. لا أذكر إن كان تأريخا لحقبة ما أو فنتازيا لكنّه كان نصّا مُثقلا بالدروس. يُروى أنّ ملكا اصطفى أحد رعاياه وولاّه الوزارة وزوّجه ابنته ثمّ سرعان ما بدأت المملكة ترتبك وتترنّح حتّى بلغ بها الوهن حدّ إثارة طمع جيرانها الذين بدؤوا يشنون الهجمة تلو الأخرى ويحتلّون الموقع تلو الآخر. جمع الملك مستشاريه وأوكل لوشاته ومرشديه مهمة التحقيق في أسباب الانهيار. بعد يومين، عاد أحد الوشاة ليسرّ للملك أنّ وزيره يخونه. غضب الملك وأمر بقطع رأس الواشي. واش آخر نقل للملك الرواية ذاتها فلم يتوان الملك في الأمر بقطع رأسه هو الآخر. ولكي يحسم الملك في الأمر، كلّف ابنه بالتحقيق. ولم تمض بضعة أيّام حتى صارح الابن أباه بأنّه انتهى بدوره إلى أنّ الوزير يقف فعلا وراء انهيار المملكة. صُعق الملك وأمر بمحاكمة الوزير. واجهه بفريق الوشاة والمرشدين يتقدمهم ابنه. قوّة الحجّة جعلت الوزير يعترف بخطيئته وسارعت المحكمة بإصدار أمر بقطع رأسه. لكن، قبل التنفيذ، أبى الملك إلاّ أن يسأل وزيره كيف عجّل بانهيار مملكته فأجابه قائلا: كنت أختار لكلّ منصب الرجل غير المناسب.


قلت أعلاه إني أستحضر هذا النصّ لأنّي أتابع وأحاول أن أفهم منطق التعيين في بلادنا. بل إنّ الترويكا تجاوزت المسألة بفتح باب “اللاتعيين”. فالوزارات التي استقال منها أصحابها مازالت شاغرة، رغم مرور أسابيع على الفراغ. حتى في مؤسسة الرئاسة، لم يُعوّض المستشارون المستقيلون. ولسائل أن يسأل هنا سؤالا جوهريا وإن كان ساذجا: ما جدوى إحداث مناصب إذا كان شغورها أمرا عاديا ؟


سياسة “اللاتعيين” تتطوّر في بعض الأحيان لتتحوّل إلى “عرقلة التعيين” أو “الكرسي الفارغ من باب الشماتة”. انطلقت هذه السياسة منذ الأيّام الأولى للترويكا حين سحبت ملفّي ترشح رشيد خشانة لمنصب رئيس مركز الجامعة العربية بتونس ورضوان النويصر لمنصب الأمين العام المساعد للجامعة دون إبداء أسباب !!!


ثمّ جاءت عضوية اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة وسارعت الحكومة بترشيح سعيدة العكرمي، رغم أنّها زوجة وزيرة العدل. والاعتراض، هنا، ليس على الشخص وقد كانت مدافعة عن السجناء السياسيين لكن على قرابتها المباشرة مع وزير سيكون، من حيث المبدأ، هدفا لعملها في صلب اللجنة الدولية. في المقابل، المرشحة الأخرى – من طرف رئاسة الجمهورية  – وهي راضية النصراوي كانت مطابقة لشروط الترشيح. وهكذا، ضاع الملفّ بين الرئاستين ويبدو أنّ المنصب في طريقه للإفلات. والخاسر، في النهاية، هي تونس !


لنعد الآن للتعيين. خسرت بلادنا في الأشهر الأخيرة وقتا وجهدا ثمينين. فما من تعيين إلا وأثار جدلا حادّا فيه من السياسوية جرعة صغيرة لكن فيه أيضاً وبالخصوص صحّة ومشروعية. فبعد التحفّظات على أسماء عدّة داخل التشكيلة الحكومية، بسبب القرابة أو عدم الكفاءة أو غياب أيّ تجارب سابقة أو الثلاثة معا، ألقت فوضى التعيينات بظلالها على مفاصل الدولة، وهو ما أدّى إلى أزمة ثقة خطيرة حتّى داخل الأوساط النهضوية. من البنك المركزي إلى المؤسسات الإعلامية العمومية مرورا بالوزارات والولاة والمعتمدين، في كلّ تعيين كانت هنالك شوائب بل ومخاطر على الثورة. فالتحوّلات الكبرى تقوم أساسا على الرمزيات وهو بُعد لا تُعيره الحكومة أيّ أهمّية. فأن يكون محافظ البنك المركزي تجمّعيا مساندا لقوانين تجريم المعارضة أو أن يكون والي قبلّي مديرا سابقا للتنمية في سيدي بوزيد – فعليّا، الثورة قامت ضدّه بشكل مباشر – أو أن يكون مدير ديوان رئيس الحكومة – وقد استقال الآن – واليا سابقا أو أن يكون مديرون عامّون في وزارة الداخلية عادوا لمناصب تقلّدوها زمن بن علي، كلّها تعيينات تنسف رمزيات الثورة. ورغم ذلك، تصرّ الحكومة وقطاع عامّ من أنصارها على جدّية التصدّي للتجمّعيين وتطهير البلاد منهم ومن شرورهم. وقد انعكس ذلك بصفة واضحة في الشعارات التي رُفعت في وقفة القصبة، يوم الجمعة الماضي، شعارات لم تتوجّه مباشرة للحكومة بل لخصومها وبمعايير حكم وتقييم لا ترضاها الحكومة ولا أنصارها لأنفسهم حين يُواجَهون بها وهي التي تنطبق عليهم وبشكل مفضوح في أحيان كثيرة.


والسؤال الخطير، هنا:  من هو الفريق الذي يتكفّل بالتعيينات ولا أخاله غير واع بما يفعل ؟ والأهمّ من ذلك: من يحكم البلاد ؟

بقلم : الصحفي بسام بوننِّي لصحيفة آخر الاخبار