الأحد، 9 سبتمبر 2012

تونس.. حرب الدولة العميقة على القشرة

لم تسارع الحكومة المنتخبة إلى إنجاز استحقاقات الثورة التي يبدو أكثرها إلحاحا تنظيف البلاد من بؤر الفساد وشبكاته السرطانية الخبيثة، فوجدت نفسها، نتيجة لذاك وبالطبع لعدة عوامل أخرى، مجرد قشرة للدولة تواجه حربا ضروسا يشنها عليها العمق.
والمقصود بعمق الدولة أو الدولة العميقة؛ مجموع الأشخاص والشبكات الموجودة والمتنفذة في دواوين الدولة وإداراتها ومؤسساتها والتي تتمتع بدراية كبيرة بأسرارها وتسييرها وإجراءاتها وتتجه بالولاء والارتباط غير المشروط في غالبها للتجمع القذر واليسار النوفمبري الانتهازي وشبكات المال الفاسد وفئات مشبوهة تتخفى وراء ستار ما يسمونه 'المجتمع المدني'. وقد انطلقت هذه 'الدولة العميقة' في حربها الضروس منذ الأيام الأولى من فرار سيدها، ولكنها لم تصبح بالوضوح الكافي سوى بعد تولي الحكومة الحالية مهامها، والتي دشنتها بأزمة التعيينات الإعلامية التي كادت تصل بالبلاد إلى مصادمة حادة بين الفرقاء السياسيين الذين وقفوا وجها لوجه في اعتصام باردو ثم جاءت بعد ذلك أزمة مصنع الغاز بقابس الذي منع استئناف نشاطه في اعتصام، ظاهره حق وباطنه باطل، تسبب في فقدان حاد لهذه المادة في البلاد زادته موجة البرد حدة وما أن خرجنا من تلك المرحلة حتى وجدنا أنفسنا أمام مشكلة مصنع الفوسفات الذي توقف لمدة طويلة بسبب قطع السكة الحديدية احتجاجا على نتائج مناظرة شركة الفوسفات التي يطرح حولها أكثر من سؤال وأحرقت مكاتبها ومعداتها ولكن لهذه الأزمة خسائر مادية كبيرة على البلاد.
كل هذا ولم تتقدم مع الأسف الحكومة في عملة المحاسبة والتطهير والإصلاح بل واصلت تعويلها على تدجين النظام البائس وأعوانه فوجدت نفسها في مواجهة 9 نيسان (ابريل) 2012 الذي أكدت العديد من المصادر والقراءات أن هناك تواطوءا ما بين عناصر من القيادات الأمنية وآخرين من قيادات المعارضة المشبوهة لشحن صدام دخاني دامي مفتعل.
وبعد فيلم غرة ايار (مايو) 2012 المنافق الذي شاركت فيه كل فعاليات مشهدنا السياسي المتعفن، دخلنا في أزمة ارتفاع أسعار المواد الفلاحية التي سمح بطرق مشبوهة بتهريبها لليبيا فوصل سعر كلغ الطماطم دينارين ولم تكن هذه الأزمة المحدودة سوى مقدمة لمفاجأة كبيرة، يبدو أنها أعدت بشكل محكم في كواليس الإعلام والتجمع بمختلف فراخه اللقيط وتوابعه فكانت تسريبات امتحانات الباكالوريا ومعرض العبدلية، والتي أريد منها إعادة قائد العصابة الدستورية إلى سدة الحكم والذي أعلن عن تأسيس حزب عندما شعر بعدم اكتراث الشارع لمسرحيته الحمقاء.
وعندما فشلت هذه الأزمة في تحقيق انتصار الدولة العميقة على قشرتها الجديدة، كان سيناريو أزمة قطع الماء في فصل الحرارة والتي تأكد بعد ذلك أن أقرباء لمتنفذين في نظام المخلوع يعملون في الصوناد هم من كانوا وراءه كما بدا منذ مدة أن هناك سيناريو في العمق يقوم بتحويل تدريجي لولاية تونس، التي تحتضن كل مرافق السيادة التونسية، إلى كومة عملاقة من الفضلات والقمامة وغير بعيد منها وقع منذ مدة الإعلان عن وجود الكوليرا في رادس، وكان فصل 'المساواة بين الجنسين' فرصة لإطلاق حملة أزمة أخرى توجت بمسيرة يوم 13 آب (اغسطس) 2012... وليست هذه كل مكونات الحرب بل ربما أكثرها وضوحا حتى الآن.
وأمام الأداء الأعرج لهذه الحكومة التي لا تملك سوى شرعية انتخابية بدأ الشارع ينساها وأمام مواصلتها المراهنة على تطويع النظام البائس لصالحها، تتواصل حرب الدولة العميقة التي يبدو أن وزير التربية، ذو الأداء الهزيل على رأس مؤسسة متعفنة، فتح المجال للتعويل على العودة المدرسية لتكون مفتاح أزمة جديدة قد تمس عمل المدرسين من خلال الاقتطاع غير المنطقي لأيام إضراب المعلمين.
كما يبدو 23 تشرين الاول (أكتوبر) 2012 موعدا سيكون فخا حارا، حيث بدأت أصوات تتعالى بأنه موعد انتهاء آجال عمل الحكومة والمجلس التأسيسي حسب ما أمضت عليه العديد منها الأطراف منها من يحكم اليوم، وتؤكد نفس الأصوات أن الشرعية هي شرعية انتخابية وشرعية انجاز تعدده في: ارتفاع الأسعار وتسرب اختبارات الباكالوريا وانقطاع الماء.
وأن المجلس التأسيسي ليس سيد نفسه بل هو مرتبط بالمرسوم الذي دعى للانتخابات والذي حدد مدة عمله بسنة واحدة.
ولن يكون غريبا عن الدولة العميقة وكل شبكاتها الملحقة أن تستغل نقمة الكثير من الناس وسذاجة البعض الآخر لتحرك طيف من المجتمع التونسي يوم الذكرى 25 لتحولهم المقيت، يوم 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 من أجل عودة بن علي، علما وأن أخبارا على الشبكات الاجتماعية تقول بأنه بصدد إنجاز كتابه حول حقائق ما صار في حراك الشعب وأنه سيصدره يوم 7 تشرين الثاني (نوفمبر) القادم. كما يبدو كل من عيد الضحى وتوفير الخرفان والمولد النبوي الشريف ومادة الزقوقو ورأس السنة الميلادية وما يحوم حول الاحتفال به من خلاف بين مختلف التيارات الفكرية.
والذكرى الثانية من اندلاع ما نسميه ثورة وذكرى فرار بن علي وذكرى 18 جانفي 1952 و2 نوفمبر 1952 وعيد الحب واليوم العالمي للمسنين والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فرصا جيدة سوف تحاول الدولة العميقة أن تشن فيها هجومات على القشرة.
إن حربا ضروسا مثل هذه بين عمق متعفن فهم نوايا قشرة تريد تدجينه والاستفادة منه، لن تكون في كل الحالات سوى على حساب هذا الشعب الذي يبدي انغماسا مستغربا في تفاهات الحياة اليومية وأوهامها المختلفة وتجاهلا أحمق لكل ما يدور حوله، فيما يخدره الداخل والخراج بشعارات من قبيل 'شعب عظيم أبهر العالم بثورته السلمية'، فأين هو هذا الشعب؟ وأين هي هذه الثورة؟