السبت، 29 سبتمبر 2012

اتهام حكومات ما بعد الثورة بالتقصير وبتعمد إتلاف "أرشيف" إدانة الجلادين


انعقدت اللجنة الإقليمية الخامسة للحوار حول العدالة الانتقالية لولايات الجنوب الشرقي الأربع -صفاقس قابس مدنين تطاوين- بالمركزين الجهويين للتربية والتكوين المستمر بصفاقس وقابس.




"الصباح" واكبت جلستي السبت والإربعاء بحضور جمع من الضحايا وأهاليهم ونخبة من الحقوقيين والمثقفين والإعلاميين والسياسيين وممثلي التنظيمات المدنية الممثلة لضحايا الاستبداد بالجهتين.

في ظل أجواء حوارية ساخنة سادها التوتر والشك في مصداقية المسار الانتقالي والتحامل على ما وصف ببطء حكومات ما بعد الثورة في محاسبة المجرمين وتعقب المفسدين الذين قفزوا إلى الواجهة الأمامية لكراسي الثورة مساهمين بذلك في طمس الحقائق تعطيل المسار الثوري واستحقاقاته حسبما جاء في الاتجاه العام لأغلب المداخلات التي عرضت شهادات الضحايا والرؤى والتصورات حول قانون العدالة الانتقالية المنتظر صدوره عن المجلس التأسيسي خلال شهر أكتوبر المقبل..

تضمنت الجلسات التشاورية للجنة التي أدارها عضوا اللجنة عبد المجيد الفقي رئيس غرفة عدول الإشهاد بصفاقس وزميلته المحامية والجامعية سارة خضر التصورات والمقترحات والرؤى في إطار نقاش عام واستمارة استبيان تستقرئ الاتجاهات حول مسارات العدالة الانتقالية من كشف الحقيقة ومحاسبة وجبر ضرر وإصلاح مؤسساتي تمهيدا لمشروع المصالحة الوطنية وهو موضوع ورشات محاور العدالة الانتقالية الخمس للجلسة المسائية..

الضحايا أولا وأخيرا

أجمعت مختلف المداخلات والشهادات على أولوية الانطلاق من الإصغاء إلى ضحايا انتهاكات النظام الاستبدادي خلال الحقبتين البورقيبية والنوفمبرية كمنطلق أساسي ورئيسي ومحدد جوهري لقانون العدالة الانتقالية الذي تباطأت مساراته منذ صدور أول مرسوم إبان الثورة ممثلا في قانون العفو التشريعي العام الذي مازالت مقتضياته لم تفعل إلى حد اليوم كما كشف عن ذلك عدد من الضحايا الحاضرين في شهاداتهم المثيرة والمؤثرة إلى حد البكاء على غرار شهادة أفراد عائلة القرقوري بصفاقس وأم الشهيد المفقود كمال المطماطي ونجلة الشهيد صالح الحمداني بقابس وغيرها من صور التعذيب والملاحقات والتتبعات والاعتقالات والتهجير والنفي والإبعاد والاغتيال والإقامة الجبرية والرقابة الإدارية وغيرها من ألوان العذاب في جهتين تعد صفاقس من بينها وهي الأولى من حيث عدد الضحايا والانتهاكات.. ضحايا الاضطهاد الأعمى من اليسار ومن اليمين من المناضلين النقابيين والعسكريين والحقوقيين في تونس خلال سنوات الجمر عبروا عن استيائهم من تحويلهم إلى ضحايا بينما هم مناضلون وأبطال تقدموا إلى الصفوف الأولى لمقاومة الاستبداد..

عدالة انتقالية بمزاج تونسي

رغم تعدد التجارب العالمية في العدالة الانتقالية التي ناهزت الـ25 تجربة فإن التجربة التونسية سيبقى لها تفردها وخصائصها سواء من حيث المنهاج أم من خلال الوقائع التي حصلت إبان الثورة وما أعقبها من تدبير إتلاف الوثائق والأدلة والبراهين وطمس الحقائق والشواهد المدينة لأزلام الاستبداد وزبانيته والتي مثلت السبب الرئيسي المعيق لمسارات العدالة الانتقالية ذلك أن القوى التي أدارت المرحلة الانتقالية أمنيا وعسكريا وإداريا وسياسيا لم تكن ثورية بالمرة بل تمثل جهات تورطت من قريب أو بعيد مع الدكتاتوريتين في الحقبتين حسب ذكرالأستاذ الحبيب بوعجيلة.

وشدد الحقوقي الطاهر الغربي على أن جبر الضرر ليس بدعة قانونية وإنما نصت عليه مختلف التشريعات الأممية والمواثيق الدولية على غرار القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بينما ذهب الأستاذ أحمد فرج الله إلى ضرورة إجراء جرد ثوري يأخذ بعين الاعتبار ضرورة محاسبة الأشخاص والمؤسسات وخاصة مراجعة التشريعات الدكتاتورية التي بررت الاستبداد وشرعت له عبر بناء قاعدة معطيات تشخص الوضع الانتهاكي والممارسة الاضطهادية لدى كل تصور لقانون العدل الانتقالي باعتبار أن الهدف الاستراتيجي للعدالة الانتقالية هو الحفاظ على الدولة ومكوناتها ومؤسساتها تمهيدا للانتقال إلى دولة ديمقراطية نموذج.

شهادات العسكريين واليوسفيين فتحت أبواب الألغاز والتأويل ولا سيما شهادة العسكري توفيق المحرزي من قابس والهادي القلصي من صفاقس وكذلك عن الحركة اليوسفية الشيخان الهادي بلحاج أحمد اللغماني والحاج حسن بن أحمد الصولي فهذا الأخير وجه اتهاما صريحا للسيد الباجي قائد السبسي بالتحقيق معه قبل الحكم عليه بـ20 سنة فضلا عن الحرمان من الاعتراف بنضاله في الحركة اليوسفية والحركة الوطنية قبل ذلك.

تشويه ومغالطة

حملت مختلف المداخلات على الإعلام الوطني وحتى الخارجي لما وصف بالتشويه والمغالطة والتضليل المتعمد الذي حول الضحية إلى جلاد والجلاد إلى ضحية وأكره الجمهور على استهلاك مادة إعلامية مزيفة والتعبير للأستاذ نجيب عثمان.

اتهامات لحكومات الثورة بعدم الثورية

اعتبر غالب المتدخلين حكومات ما بعد الثورة سواء في الفترة الانتقالية الأولى أو الثانية زمن محمد الغنوشي والباجي قائد السبسي أو حكومة حمادي الجبالي للمرحلة الانتقالية التأسيسية مقصرة وإن كان ذلك بنسب متفاوتة في مسارات العدالة الانتقالية باعتبار تعمد إتلاف الأدلة وبراهين الإدانة والإثبات أو التراخي في تعقب المجرمين في حق البلاد وأبنائها في مختلف عهود الدولة الوطنية..

ويعتقد الأستاذ علي السويح أن المسار الثوري بات خافتا في ظل الإرباك المفتعل من جهات سياسية وإعلامية فاسدة، لذلك تحتاج ثورتنا إلى عدالة ثورية وليس انتقالية في غياب الستار القانوني المطلوب تصحيحا وإصلاحا ومحاسبة منعا لكل محاولات القفز على الثورة والانقضاض عليها، الأمر الذي يتطلب زخما شعبيا ومنظومة ثقافية شاملة مادامت الحكومة تفتقد إلى السند الإعلامي ولاسيما الجماهيري الثوري بعد سنتين من الثورة..

محاورات اللجنة الإقليمية الخامسة بصفاقس وقابس حول العدالة الانتقالية قدمت رؤى المناضلين الضحايا والخبراء شهداء العصر محاسبة وإنصافا عبر صياغة التوصيات في تقارير ختامية في انتظار استكمال رؤى وتصورات جلستي مدنين يوم 29 سبتمبر وتطاوين يوم 6 أكتوبر.
 
"الصباح"