الجمعة، 14 سبتمبر 2012

التلويح بالاعدام في تونس

احتل حزب المؤتمر من اجل الجمهورية الذي ينتمي اليه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي العناوين الرئيسية في تونس وبعض الدول خارجها بسبب حدثين مثيرين للجدل:
' الاول: توزيع شريط مصور على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي و'اليوتيوب' يظهر الرئيس المرزوقي في حالة من الغضب ويوجه كلمات 'حادة' الى احد الصحافيين في استديو كان يتحدث عبر هاتفه النقال، ويشوش على مقابلة تلفزيونية كان يجريها.
' الثاني: التصريح الذي ادلى به السيد محمد عبو امين عام حزب المؤتمر ونبه فيه، في مقابلة اذاعية، من ان من سيستعمل 'العنف' بعد يوم 23 تشرين الاول (اكتوبر) المقبل بهدف 'تغيير النظام' السياسي القائم في تونس ستكون عقوبته الاعدام. وقال في حديث لاذاعة 'موزاييك' الخاصة ان من سيكون موجودا في الشارع بعد هذا التاريخ ويقدم على العنف بهدف تغيير النظام فان عقوبته الاعدام وفق الفصل 72 من المجلة الجنائية التونسية.
تاريخ 23 تشرين الاول (اكتوبر) يؤرخ لانتهاء 'شرعية' الحكومة الائتلافية الحالية حسب نشطاء طالبوا على صفحات 'الفيس بوك' بـ'كنس' الحكومة، اي بعد عام من اجراء الانتخابات التي انبثق عنها المجلس الوطني التأسيسي المكلف بصياغة دستور الجمهورية الثانية.
نتفق مع السيد عبو في ما قاله بانه لا يجب ان يلعب احد بمسألة الامن والاستقرار والشرعية ونتفق معه ايضا في انه ليست هناك شرعية فوق شرعية المجلس التأسيسي المنتخب، فتونس في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيش في ظلها تحتاج الى الاستقرار، والامن هو الطريق الوحيد لتحقيقه.
ما نختلف مع السيد عبو فيه هو في تلويحه بعقوبة الاعدام لمن يستخدم العنف، بهدف تغيير النظام السياسي، لانه لم يوضح حدود هذا العنف ونوعيته اولا، ولان الغاء عقوبة الاعدام يجب ان يكون من صلب الدستور التونسي الجديد الذي سيصاغ في عهد الثورة.
النظام الديكتاتوري القمعي الفاسد الذي اطاحت به الثورة التونسية لم يطبق هذه العقوبة على اي من السياسيين التونسيين، الذين سعوا الى تغيير نظام الحكم، وبعضهم تبنى العنف، بل ان هذا النظام اسقط العقوبة عن زعيم حزب النهضة الشيخ راشد الغنوشي الرجل الاقوى في البلاد.
لا نريد لتونس الجديدة ان تتبنى قوانين دموية في حق معارضي نظام الحكم، وعلينا ان نتذكر ان بعض المتظاهرين ضد نظام بن علي لجأوا الى اعمال عنف في بعض الحالات.
المجلس التأسيسي يظل مجلسا مؤقتا ومدته عام، تنتهي شرعيته تماما بعد ذلك، اي انه ليس مجلسا مخلدا او مقدسا، ومن حق البعض ان يتظاهر ضده اذا اختلف مع الحكومة بعد تاريخ انتهاء ولايته، شريطة ان يكون هذا التظاهر سلميا وبعيدا عن العنف، وحتى اذا اقدم البعض على اعمال عنف غير دموية نتيجة انفعال او غضب فان عقوبة الاعدام تبدو قاسية في حق هؤلاء.
تونس بحاجة فعلا الى الهدوء والاستقرار ولكن بعض التصريحات الانفعالية تشكل تهديدا لهما، رغم قناعتنا بالنوايا الحسنة لمطلقيها.
نتمنى من الرئيس المرزوقي زعيم حزب المؤتمر من اجل الجمهورية، ومن السيد عبو امينه العام المزيد من ضبط النفس والسيطرة على انفعالاتهما فهما في سدة المسؤولية، ويقفان مع آخرين، امام عجلة القيادة، بهدف الوصول بتونس الى بر الامان، او هكذا نفترض.

عبد الباري عطوان لجريدة القدس العربي