الاثنين، 5 سبتمبر 2011

تساؤلات تونسية عن حقيقة التحول الجذري المُنجز للثورة

مرة اخرى يجد التونسيون انفسهم امام حقائق تحاول الطبقة السياسية لمرحلة ما بعد ثورة 14 يناير تجاهلها او اخفاءها او تجاوزها في اتجاه صراعات سياسية مفتعلة سواء فيما بين الاحزاب الراديكالية و الليبرالية او بين من ينسبون الى انفسهم صفة الثورية و بين من يقول عنهم اعداؤهم بأنهم ازلام و ايتام و بقايا نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي،
فمن خلال اول استطلاع انجزه معهد مختص بالاشتراك مع «وكالة تونس افريقيا للانباء» الحكومية تأكد تواصل انعدام ثقة المواطن التونسي في الافاق السياسية و الاقتصادية والاجتماعية، و في الحياة الحزبية، التي تتميز بكثرة الاحزاب و غياب القيادات الفاعلة و الرؤى المعبرة عن تطلعات الشعب، مما يثير اكثر من سؤال عن حقيقة التحول الجذري الذي انجزته الثورة مقارنة بما تشهده الساحة المصرية.
فقد أجمع 50.9 بالمائة من المستجوبين وفقا لنتائج الاستطلاع على ان الاوضاع الحالية في البلاد بعد الثورة غير مفهومة فيما اعتبر27.2 بالمائة انها طبيعية. ولم يلاحظ 11.8بالمائة أي تغيير مقارنة بنتائج تحقيق مماثل أنجزه نفس المعهد في أبريل الماضي في حين اعتبر10،2 بالمائة ان الوضع الحالي مريب وغير مريح.
وقال المدير العام للمعهد الذي انجز الاستطلاع حسني نمسية ان الإجابات بدأت تأخذ المنحى الايجابي و لكن بصفة محتشمة، رغم أن ثلاثة ارباع المستجوبين يعتقدون دائما ان الوضع في البلاد غير واضح.
ويتضح من خلال الاستطلاع هذا أن أكثر من نصف العينة (57 بالمائة) لا يبدو راضيا تماما على الوضع الأمني علما وان هذه النسبة لم تتغير مقارنة بشهر ابريل مما يدل على ان الأغلبية الصامتة من التونسيين مازالت غير مقتنعة بالنشاط الحزبي و الحكومي و بالخطاب الإعلامي الذي تغلب عليه المراهقة الفكرية و الإيديولوجية و غياب الوضوح في الرؤية.
كما أظهرت نتائج الاستطلاع تراجعا في درجة الرضا على الحكومة المؤقتة حيث استقرت نسبة المستجوبين غير الراضين في حدود31.21 بالمائة خلال شهر ابريل وهو ما يعني من وجهة نظر المعهد أن الحكومة المؤقتة فقدت 10 نقاط من ثقة المواطن خلال الأربعة الأشهر الأخيرة.
 الأمر الذي يفسره المراقبون المحليون بانه نتيجة لعجز حكومة الباجي قائد السبسي عن اتخاذ إجراءات حازمة لاستعادة هيبة الدولة و كبح جماح الخطاب المتطرف و تحقيق العدالة الاجتماعية و فرض سيادة القانون و تجاوز وضعية التردد التي ساعدت على الانفلات الأمني.
وسجل الاستطلاع تناميا في عدم رضا العينة على الاستجابة للمطالب الاجتماعية التي تضاعفت خلال الأشهر الأخيرة وابدى ثلثا المستجوبين عدم رضاهم ايضا على اداء الاتحاد العام التونسي للشغل. الذي يعاني من تمزق إرادات في صلب قيادته بسبب الخوف من انفجار داخلي بسبب اختلاف وجهات النظر بينها نتيجة ارث العلاقات المشبوهة مع النظام السابق وتوزع الانتماءات الحزبية.
اما في ما يتعلق بأداء الأحزاب السياسية فقد ارتقت نسبة عدم الرضا على هذا الأداء من 64 بالمائة خلال شهر ابريل الى 70 بالمائة خلال شهر اغسطس ،مما يشير الى ان التونسيين غير منسجمين مع كثرة الأحزاب التي وصل عددها الى 107، يفتقد اغلبها الى الارث النضالي و الزعامات الفاعلة و البرامج الجدية و القاعدة الجماهيرية .
وبغض النظر عن مدى مصداقية النتائج الواردة في هذا السبر للاراء الذي يقترب اكثر من تحقيق صحافي عادي فإن الملاحظين للشأن التونسي يرون ان هناك حالة انفصام بين ما يمكن ادراجه في نظرة النخب السياسية للواقع و بين ما يعبر عن حقيقة الاهتمامات الشعبية و بين ما يمكن استنتاجه من سير الحياة في العاصمة و بين ما يجرى في داخل البلاد، و بين يطرحه الاعلام و بين ما يدور في ضمير الشارع الذي مازال في اغلبه غير مقتنع بوجود ثورة ،و انما بتحول البلاد من حكم جماعة يعرفها وهي اسرة بن علي و المقربون منه الى جماعات غير واضحة المعالم و المرجعيات والاجندات والتحالفات الداخلية و الخارجية.