الجمعة، 9 سبتمبر 2011

الحيرة تسيطر على المشهد في تونس قبل الانتخابات

 تونس (رويترز) - بعد أن صمد ثوار تونس امام الضرب والسجن والقناصة الذين صدرت لهم أوامر بالقتل يواجهون الان تهديدا جديدا على طريقهم الى الديمقراطية هو الحيرة.
وقبل اقل من شهرين على الانتخابات تظهر ملامح الحيرة على ابناء تونس مهد الربيع العربي في ثورة كانوا يأملون أن توفر لهم فرص العمل وتخفف حدة الفقر لكنها تمخضت عن انشاء عشرات الاحزاب السياسية وعملية انتقال لا تلوح لها نهاية في الافق.
وقال وليد وهو سائق سيارة أجرة "الاطاحة بالرئيس لم تكن سهلة لكنها كانت سريعة وكنا متحدين... لكن الان اشعر بالقلق على هذا البلد. هناك الكثير من الافكار والكثير من المرشحين ولا احد يعرف يقينا ماذا يجب ان يفعل."
وانتهى حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي امتد 23 عاما فجأة حين فر في مواجهة احتجاجات شعبية انتشرت على نطاق واسع بسبب البطالة والفساد والقمع وهو نجاح مذهل ادى الى اندلاع انتفاضات في اجزاء اخرى من العالم العربي.
لكن اذا استخدمت كلمة "ثورة" في تونس هذه الايام فمن المرجح أن يعتقد الناس أنك تتحدث عن الصراع في ليبيا مثلما تعيد الى أذهانهم الاحداث التي وقعت في بلادهم في يناير كانون الثاني.
وحددت الحكومة التونسية المؤقتة 23 اكتوبر تشرين الاول موعدا للانتخابات التي سيطلب خلالها من الناخبين الاختيار بين 80 حزبا سياسيا لتشكيل جمعية وطنية تأسيسية من 218 عضوا تكلف بصياغة دستور في غضون عام.
وستكون هذه اول انتخابات حرة في المستعمرة الفرنسية السابقة منذ استقلالها عام 1956 وستتابعها عن كثب منطقة تسعى لان تحل الديمقراطية محل الانظمة الشمولية.
ويخشى محللون من أن يؤدي تراجع الدعم الشعبي للعملية التي لا تقدم اطارا زمنيا للانتخابات الرئاسية او التشريعية الى تقويض شرعية الانتقال وربما يشعل جولة جديدة من الاضطرابات في الشوارع.
ويعتقد اكثر من نصف التونسيين أن انتقال البلاد غير مفهوم وفقا لاستطلاع للرأي اجرته وكالة تونس افريقيا للانباء بالاشتراك مع معهد سبر الاراء ومعالجة المعلومات الاحصائية والذي نشر في الثالث من سبتمبر ايلول.
ويحق لسبعة ملايين مواطن تونسي الادلاء بأصواتهم في الانتخابات ولم يسجل سوى اكثر من النصف بقليل اسماءهم.
وقال جان بابتيست جالوبان المحلل في شركة كونترول ريسكس لاستشارات المخاطر العالمية ومقرها لندن "هناك حالة من الفوضى. الامور غير واضحة لاحد في الوقت الحالي."
وأضاف "حقيقة أن عددا قليلا من الناس سجلوا اسماءهم للتصويت تظهر ان هناك احباطا عاما بين الشعب تجاه عملية الانتقال."
وأظهر استطلاع منفصل للرأي نشرته المؤسسة الدولية للانظمة الانتخابية أن 43 في المئة فقط من التونسيين يعرفون أن الانتخابات القادمة هي انتخابات الجمعية التأسيسية.
وقال جالوبان ان العدد الكبير للاحزاب السياسية ومنها الكثير الذي يفتقر الى مؤيدين او برامج واضحة الى جانب تفشي الجريمة في العاصمة دون عقاب قوض وضوح الهدف الذي كان يشعر به الكثير من التونسيين فور سقوط بن علي.
وأضاف "الناس يريدون أن يروا أثرا ملموسا للثورة على الحياة اليومية وقضايا البطالة والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي لم تتم معالجتها بعد."
ومن بين اشهر الاحزاب التونسية الحزب التقدمي الديمقراطي وحزب النهضة الاسلامي.
وفي يونيو حزيران انسحب حزب النهضة الذي كان محظورا في عهد بن علي والذي يعتقد أنه يتمتع بدعم واسع النطاق الان من اللجنة التي شكلتها الحكومة المؤقتة للاعداد للانتخابات في لفتة احتجاج.
وقال متحدث باسم حزب النهضة لرويترز انه ليس قلقا من انخفاض مستويات تسجيل الناخبين مشيرا الى أنه يتوقع ان يسجل ناخبون اسماءهم في يوم الاقتراع وأن تكون نسبة الاقبال النهائية عالية.

لكن الامين العام لحزب المؤتمر من اجل الجمهورية الذي كان محظورا سابقا أصدر بيانا هذا الاسبوع حذر فيه من أن البلاد لا تحتمل السماح بتعطيل العملية الانتقالية.
وقال جالوبان "اذا أدت العملية الانتقالية الرسمية الى نزاعات تتعلق بشرعية مؤسسات الدولة فسيكون هناك احتمال لتصاعد الاضطرابات خاصة اذا تحولت أحزاب مؤثرة مثل النهضة الى سياسة الشارع."
وتسود مخاوف من أن السلطة المؤقتة التي يرأسها فؤاد المبزع ويتولى رئاسة وزرائها الباجي قائد السبسي عقدت العزم على اطالة مدة الانتقال حتى تظل في الحكم. وقد تمثل هذه المخاوف تهديدا.
ويقول كمران بخاري نائب رئيس قسم شؤون الشرق الاوسط وجنوب اسيا بشركة ستراتفور للمعلومات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها "اذا سارت الانتخابات بسلاسة ستكون هذه مفاجأة."
وأضاف "تثير فكرة أنه لم تجر انتخابات حرة ونزيهة قط في البلاد تساؤلات خطيرة بشأن امكانية اجراء انتخابات سلسة. علاوة على ذلك لدينا مخاوف من مجموعات المعارضة المختلفة بشأن نوايا السلطة المؤقتة التي يدعمها الجيش."
وتولى بن علي الحكم في انقلاب ابيض عام 1987 بعد أن مرض الحبيب بورقيبة رئيس تونس في حقبة ما بعد الاستقلال.
وفي منطقة لافاييت بالعاصمة حيث تراكمت القمامة يقول محمد بائع الزهور ان الثورة التونسية اصطدمت بمشاكل لكن لايزال لديه أمل في التغلب عليها.
وأضاف "كان هناك وقت يمكن أن يؤدي بك الحديث عن بن علي او الحكومة الى السجن او القتل. كانت الشرطة السرية في كل مكان وتسمع كل شيء."
وأضاف "مهما حدث الان فانه على الاقل سيكون افضل من ذلك."
من ريتشارد فالدمانيس